الهديل

مَنْ عَظم صغائر الأمور ابتلي بكبائرها

 

 

كتب عوني الكعكي:

فعلاً يومان مرّا على الوطن المعذب والمواطن المقهور، قضية صغيرة لا تستأهل كل هذه الضجّة وهذا الاهتمام التلفزيوني المبالغ في تغطية هكذا خبر…

نعلم ان “التلفزيونات” تبحث عن أي خبر لتحصل من خلاله على أعلى قدر من التغطية المجانية، خصوصاً وأنّ الوقت الذي تحتاجه التلفزيونات لملء البث ساعات طويلة يكلف أموالاً طائلة، في حين ان حدثاً تافهاً لا يحتاج الى كل هذا الجهد لأنّ كلفته لا تكاد تساوي شيئاً.

من ناحية ثانية.. لا أعلم كيف أنّ قاضياً محترماً يتخذ قراراً بإيقاف مواطن تحدّث بأنه يملك “ديناميت” يريد أن يفجّر به العدلية.. الكلام الذي أعلنه الناشط وليام نون كلام يمكن معالجته بطريقة هادئة حيث يكلف القاضي المسؤول أجهزة الأمن أن تذهب الى منزله وتفتش المنزل، وعلى ضوء النتائج، يتم اتخاذ الاجراءات المناسبة.

إنّ ما حدث بدا واضحاً من خلال عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في “قداس السلام العالمي”…

لقد أشار غبطته بصراحة “الى ان القضاء في لبنان أصبح وسيلة للانتقام والكيدية والحقد… وأنّ الأجهزة الأمنية باتت تلبس ثوب الممارسة البوليسية فصار يحلو لأي قاضٍ أن يوقف أي شخص من دون التفكير بردود الفعل وبالعدالة”.

وتساءل غبطته: “ألا يخجل اولئك الذين أمروا باعتقال هذا الشاب غير مبالين بردّ فعل الشعب؟

فهل يوجد في العدلية قضاة متخصصون بمحاكمة أشقاء شهداء المرفأ وأهاليهم؟”.

هذا الحادث أثار أيضاً متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، فقال في عظة له في كاتدرائية القديس جاورجيوس:

“إنّ ما حصل من توقيف شاب، يطلب معرفة حقيقة التفجير الذي أودى بشقيقه ورفاق له… واعتداء القوى العسكرية على المحتجين على توقيفه، بمن فيهم كاهن، هو أمر مرفوض ومدان… فهل يعي من أزعجه غضب الشاب الذي تلفّظ بكلام صادر عن قلب مجروح، فَكَسَر زجاجاً في قصر العدل، أن جزءاً كبيراً من العاصمة قد دُمّر، وأنّ مئات من أبناء العاصمة تمزّقت أجسادهم أشلاء، وآلافاً من الجرحى والمعوقين خَلّفهم التفجير الاثم؟”.

وختم المطران عودة بالقول: “أخاطب ضمير كل مسؤول وكل قاضٍ نزيه وشريف، أن أوقفوا هذا التنكيل اللاأخلاقي”.

وبالعودة الى ما جرى في اليومين السابقين.. أضع اللوم على مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الذي كان عليه أن يعالج الأمور بطريقة مختلفة، خصوصاً وأنه يملك السلطة لتدارك ما ذهبت إليه القضية وردود الفعل عليها.

كذلك أرى، انه كان يمكن لرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي المحترم سهيل عبود، المعروف بحكمته، أن يتدخل بدوره، ويحلّ الإشكال قبل أن يستفحل، ومن دون كل هذه الضجّة التي حصلت، وإضاعة الوقت من دون الاساءة للقضاء الذي لا نزال نراهن عليه وعلى كل قاضٍ نزيه وشريف فيه.

في النهاية… أرى ان ما حصل في هذين اليومين السابقين، من توتر وتهديدات وممارسات بوليسية، ما كان ليحصل، لو قدّر للقضاة النزيهين التدخل في الوقت المناسب… فأسرعوا الى حلّ القضية بطريقة عقلانية.. لأنّ القضية كانت سخيفة منذ البداية، لا تستحقّ كل هذه الضجّة التي لا تؤدي إلاّ الى زيادة التوتر والاحتقان في البلد..

ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version