بقلم: القاضي م جمال الحلو
مرض رجلٌ من أهل النّحوِ ، وكان مولعًا باللغةِ والسّجع، فعاده جاره في مرضهِ وسأله: ما بك؟!
فأجاب النحويّ قائلًا: حُمّى جاسية، نارُها حامية، منها الأعضاء واهية، والعظام بالية!
فقال له جاره وكان أُمّيًّا: ليتها كانت القاضية!
عندها قال النحويّ: ليتني أغلقت فاهيا ولم أقل ما بيا!
وذات يوم ذهب نحويّ ليعود مريضًا، فطرق الباب، ففتح له ابن صاحب الدار.
فقال له: كيف وجدت أباك؟
أجاب الولد: ورمت رجليه!
فقال النحويّ: لا تُلحِن، قل ورمت رجلاه، وأردف: ثمّ ماذا؟
فقال الولد: ثمّ وصل الورم إلى ركبتاه!
فقال النحويّ مجدّدًا: لا تُلحِن، قل إلى ركبتيه، وأضاف: ثمّ ماذا؟
فقال الولد: مات وأدخله الله مع عيالك، سيبويه.. وجحشويه.. ونفطويه.. وابن خالويه إلى عالم البرزخ، “عقبال عندك”!
وفي يوم من الأيّام المعاصرة، حيث الطعن في الخاصرة، مرّ أحد من النحويّين من سلالة ابن هشام بأحد اللبنانيّين ويُدعى بسّام، وبعد السلام سأله عن أحوال أهل لبنان، فأجاب اللبنانيّ: تسألني عن الأحوال؟! لقد راح المال، وجاعت العيال، وحلّ الوبال، فلا ماء ولا كهرباء، واستفحل الداء ولا دواء، وساد الفساد في البلاد، وزاد الظّلم والاستبداد، وصرنا أمام الموت على استعداد لملاقاة ربّ العباد، وأكل السياسيّ الأخضر واليابس، وأعطانا “الطرشة” غير آبه أو “حاسس”، وأصبح ليلنا دامسًا، ونهارنا دالسًا، وطفلنا عابسًا، وكبيرنا مفلسًا، وصغيرنا تاعسًا، والقلب نخره الوجع، والعين أغشاها الدمع، زاد الجشع والطمع، واختربت الديار، وارتفع الدولار، وغلت الأسعار!
وهنا سأل النحويّ اللبنانيّ بسّام: وما هو الدولار؟!
وبلوعة الأسى والحزن أجاب بسّام “والبسمة قد فارقته من زمن”: الدولار هو جبل من النّار، فيه العقل احتار، وتلوّع منه الصّغير و”الختيار”، وهو يسبح في المدار في فلك الأسرار!
ردّ النحويّ متسائلًا: أهو مثل الدّينار؟!
أجاب بسّام: كلّا، فالدّينار ثابت والدّولار متحرّك.
فأعقب النحويّ متسائلًا: وماذا عن عملتكم الوطنيّة؟! الليرة اللبنانيّة على ما أظنّ!
أجاب بسّام: أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وغفر لميتكم، لقد ماتت من القهر والعذاب على أبواب مسيلمة الكذّاب!
وبغرابة المتفاجئ من الجواب، أردف النحويّ متسائلًا: وهل تنفع الليرة لشيء ما؟
وهنا كان الجواب المضحك المبكي:
الليرة ليس لها صاحب، تنفع فقط للرواتب والمعاشات، ومن اعتمد عليها مات.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون…