خاص الهديل:
هناك سؤال يجب أقله الإجابة عنه بشكل رسمي وبوضوح تام، سواء من قبل القضاء، وأيضاً من قبل الدولة اللبنانية؛ وهو هل ما حصل في مرفأ بيروت هو: “تفجير” أم “إنفجار”؟؟
كل كلمة من هاتين الكلمتين لها معنى قائم بذاته، ولها نتائج وتداعيات وموجبات مختلفة تماماً عن الكلمة الأخرى.
فلو قالت الدولة أو القضاء في لبنان أن ما حصل في المرفأ هو “تفجير” فإن هذا سيعني أنما الجريمة تسبب بها عمل إرهابي.. أما لو قالت الدولة أن ما حصل كان “انفجاراً”، فإن هذا سيعني أن سبب الجريمة هو إهمال إداري وفساد رسمي.
ولكن الدولة صامتة حيال قول حتى بعض الحقيقة التي تعرفها عن المرفأ، علماً أن الدولة مطالبة بأن تقوم كل فترة بإطلاع الرأي العام اللبناني على ما يتوفر لها من معلومات جديدة حول “تفجير” أو “انفجار” المرفأ، وأن تقوم بخاصة باطلاع أهالي ضحايا المرفأ بشكل رسمي على ما تستطيع كشفه حول ما توصلت إليه التحقيقات القضائية والأمنية بخصوص هذه القضية التي شكلت فعلياً مأساة وطنية..
..وقد يكون مناسباً أيضاً، بل حتى ضرورياً، أن تشكل وزاراتا الداخلية والعدل فريقاً مشتركاً تكون مهمته أن يخرج ممثلون عنهما كل فترة إلى الإعلام، ليدلوا بشكل مشترك ورسمي بمعلومات ومعطيات حول تطورات قضية التحقيق ب ” تفجير” أو “انفجار” المرفأ. الفكرة هنا هي أن صمت الدولة من جهة حيال جريمة بهذا الحجم، مضافاً إلى هذا الصمت، ما يحصل كل فترة من مواقف عملية تؤشر على ضعف القضاء في لبنان تجاه هذا الملف من جهة ثانية، أديا إلى ولادة شعور عند أهالي ضحايا المرفأ بأن الدولة تهينهم من خلال عدم الإهتمام بقضيتهم، كما بدأ ينتابهم شعور باليأس من إمكانية أن يتوصل القضاء إلى شيء من الحقيقة حول قضيتهم، وكل ذلك يترافق مع حزنهم الدائم على فقدانهم أبنائهم..
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة أو حكومة أو جهة مسؤولة عن بلد، هو أن تجد نفسها وجهاً لوجه أمام مواطن امتزج لديه شعوره بما يمكن تسميته “بثلاثية مشاعر السخط” وهي “الظلم” و”اليأس” والإهانة”؛ ما سيدفعه حتماً للرد بقوة تعكس رغبته العنيفة بأن يحرر نفسه وروحه من الظلم واليأس والإهانة..
كما يتوجب على الدولة بكل مكوناتها أن تتنبه الى أمرين إثنين أخرين وإضافيين، الأول أن أهالي ضحايا المرفأ يمثلون قضية مؤثرة على المجتمع اللبناني، وأيضاً يمثلون قوة مؤثرة داخل المجتمع اللبناني. وعليه فإن حراكهم له طابع نوعي، حتى لو لم يظهر هذا البعد الإجتماعي لحراكهم بشكل كامل بعد.
الأمر الثاني الهام، هو أن أحداً في لبنان لا يريد أن يرى مشهداً يظهر فيه أن ضحايا المرفأ موتى في المقابر، وأن اهليهم مسجونين في نظارات العدلية.. إن هذا المشهد، بغض النظر عن الجانب السياسي فيه، يعتبر مشهداً ثقيلاً جداً على قلوب اللبنانيين، ولا يمكن تحمله!!.
الواقع أن كل هذه الملاحظات الآنفة وغيرها، لا تريد استفزاز الوضع المستفز أصلاً، ولكنها تريد أن ترسل للدولة رسالة تقول أنه يجب توقع تداعيات صاخبة ستحدث فيما لو استمرت على حالها سياسات إهانة مشاعر أهالي ضحايا المرفأ من جهة، وفيما لو استمر القضاء شبه معطل تجاه كشف الحقيقة في هذه القضية، من جهة ثانية ..
المطلوب أن تستدرك الدولة خطورة استمرار سياستها بشكلها الراهن تجاه مأساة المرفأ؛ لأنه مرة أخرى يجب القول أن هذه السياسة توصل لأهالي ضحايا المرفأ رسالة تدفعهم للتدرج السريع بالسلبية، وهو أمر طبيعي أن يحصل، كون سياسة الدولة تجعلهم يعانون من تضافر ثلاثه مشاعر قلما اجتمعت ولم تؤد إلى تفجر “بركان السخط”؛ وهي مشاعر “الإهانة” و”اليأس” و”الظلم”.