خاص الهديل:
باتت القوى الداخلية اللبنانية أحزاباً وشخصيات ومتدخلين محليين في الوضع السياسي اللبناني، يدركون أن ملف الفساد المالي في لبنان، أصبح ملفاً عالمياً؛ بمعنى أنه حتى لو نجحت الطبقة السياسية والحزبية في لبنان بتجاوز المحاسبة السياسية والقضائية اللبنانية المحلية، فإنها لن تستطيع أن تضمن عدم محاسبتها دولياً، والسبب في ذلك، يعود إلى عدة عوامل:
أولها أن حجم الأموال التي هُربت من المصارف اللبنانية طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة بلغت رقماً كبيراً وصادماً.. ومعظم هذه الأموال التي وصلت إلى مصارف في دول عربية وأوروبية تعود لسياسيين لبنانيين، وتم تجميعها لصالحهم من خلال صفقات مشبوهة تم إبرامها عن طريق “استغلال السلطة”.
ويتبين أن جزء غير قليل من المشاريع الحكومية التي تمت سرقة اعتماداتها من قبل السياسيين، ممولة من دول عربية أو أوروبية، وهذا التمويل دفعته هذه الدول من أموال ضرائب مواطنيها؛ وبالتالي فإن المطلب الذي بدأ يُثار في برلمانات أوروبا، وقد يُثار لاحقاً في برلمانات عربية؛ هو ضرورة كشف سرقات الطبقة السياسية للأموال التي دفعها المكلف الأوروبي بالضرائب، ورفع دعاوى أمام القضاء الدولي واللبناني والأوروبي من أجل استرجاعها.
ثانيها- أن قسماً كبيراً من هذه الأموال المهربة من لبنان، تم توظيفها في لعبة تبييض الأموال، الأمر الذي يجعلها في أي وقت تحت المساءلة القانونية الدولية.
ثالثها- أن قسماً غير قليل من هذه الأموال المهربة إلى خارج لبنان، تم تحويلها من قبل سياسيين كبار أو موظفين كبار إلى حسابات بإسم أبنائهم، وذلك بعد استقرار هذه الأموال في مصارف خارجية أو على شكل استثمارات خارج لبنان، وتم وضع بعض هذه الأموال في حسابات أسماء وشركات تشكل واجهات لأصحابها الحقيقيين.
وتقول المعلومات أن أحد الأسباب التي دفعت بالسعودية لوقف إرسال أموال إلى لبنان، هي قناعة الرياض بأن استمرارها في دعم لبنان مالياً لن يرفع المعاناة عن الشعب اللبناني، بل سيجعلها عن غير قصد مشاركة في تمويل لعبة الفساد المالي في لبنان، حيث أن السعودية اكتشفت كما بقية دول العالم، أن كل دولار يتم دفعه إلى لبنان لتمويل مشاريع حيوية فيه، إنما تتم سرقته وتقاسمه بين النافذين في السلطة، وبعد ذلك يتم تهريبه إلى حسابات ثروات هؤلاء السياسيين اللبنانيين في الخارج.. وهذا الوضع هو الذي دفع السعودية لأن تتخذ قراراً بوقف تمويل أي مشروع في لبنان، إلا بعد أن تتأكد من حصول الإصلاحات التي تؤدي إلى تنظيف البيئة السياسية والقانونية اللبنانية من الفساد، وبعد ذلك فقط، تضمن الرياض عدم تورطها في هذا المستنقع اللبناني المملوء بالفساد الرسمي والحزبي، وتضمن أيضاً أن لا يكون لها أي صلة لا من قريب ولا من بعيد بالمال الذي تسرقه الطبقة السياسية من موازنات المشاريع التي كانت الدولة قررت تنفيذها، ولكنها لم تنفذ لأن أموالها سُرقت.
وبحسب مراقبين فإن هناك العديد من الدول التي باتت تخشى فيما لو استمرت بتمويل مشاريع حكومية لبنانية، أن تشملها المساءلة الدولية عندما يتم فتح ملف الفساد المالي الكبير في لبنان؛ وعندما تبدأ التحقيقات بتتبع مصادر المال اللبناني، وكيفية سرقته وتهريبه، الخ..
وتؤكد معلومات أن هناك دولاً وجِهات رسمية أجنبية متورطة بالفساد المالي الكبير في لبنان، وهذا يعني أن ملف الفساد المالي اللبناني معولم وهو يمثل واحدة من كبريات جرائم الفساد المالي في هذا القرن.
ومؤخراً وصلت إلى بيروت وقائع محادثة دبلوماسية جرت بين مسؤول عربي ومسؤول أوروبي كبير حول الفساد المالي في لبنان. وقال المسؤول الاوروبي التالي:
– لبنان تعرض لواحدة من أبرز جرائم الفساد المالي في هذا القرن.
– هناك جهات ومؤسسات أجنبية متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الفساد المالي الضخم في لبنان.
– نسبة عالية من الطبقة السياسية اللبنانية متورطة بالفساد المالي، وهذا ما أدى إلى خلق لوبي سياسي لبناني ضخم يعمل ضد المساءلة بخصوص متى/ومن/وكيف تمت عمليات تهريب أموال المودعين في المصارف اللبنانية إلى الخارج.
– قال أيضاً المسؤول الأوروبي الكبير أن لبنان لن يشهد بعد الآن، وخاصة بعد توقيع الاتفاق البحري مع إسرائيل، حرباً عسكرية خارجية عليه، ولكنه بكل تأكيد سيشهد حرباً كونية ضد الفساد المالي في لبنان.
– قال أيضاً: باتت أحزاب الطوائف اللبنانية تدرك أن مسألة قيام المجتمع الدولي بفتح ملف الفساد المالي في لبنان هي مسألة وقت فقط، وكل الأمر هو بانتظار متى سيصبح لواشنطن مصلحة بفتح هذا الملف الذي لا تزال حتى الآن تفضل إبقائه في درج أجهزة الإستخبارات الأميركية حتى يحين أوان فتحه.