خاص الهديل:
بات البحث عن فخامة الرئيس، بالطريقة الجارية حالياً، سواء في الداخل أو في الخارج، يشبه التفتيش عن “هرة سوداء في غرفة مظلمة”..
والحق يقال ان النقاش والسجال الداخلي حول من سيكون رئيساً للجمهورية وما هي مواصفاته، استنفد كل معانيه الداخلية والخارجية، وصارت أوراق كل أطراف بازار انتخاب الرئيس الأول، مكشوفة، ولم يعد هناك من داع للاستمرار في المناورات الرئاسية: فمثلاً حزب الله ثبّت معادلته الأولية الداخلية والخارجية، ومفادها أنه يريد سليمان فرنجية، وأنه لا يوافق على منطق جبران باسيل بخصوص ترشيح “أبو طوني”، وبنفس الوقت لا يرفض تسوية لاحقة قد تأتي على إسم العماد جوزاف عون.
..وإصرار حزب الله على ترشيح فرنجية، وبالمقابل إصرار القوات اللبنانية، ومن معها، على ترشيح ميشال معوض، يشبه إصرار ١٤ آذار على ترشيح سمير جعجع، وبمقابلها إصرار حزب الله على ترشيح ميشال عون في انتخابات ٢٠١٦ السابقة..
وحينها، عام ٢٠١٦ تخلى جماعة ١٤ آذار عن تسمية جعجع، وذهبوا هم وجعجع وانتخبوا مرشح حزب الله ميشال عون.. واليوم، ومع معاودة الكلام عن استعداد معوض للتراجع عن ترشحه لو وجد بديلاً عنه، فإنه يصبح هناك احتمال أن يتكرر المشهد ذاته، حيث يتخلى لاحقاً “المعارضون الجدد” عن ترشيح ميشال معوض، وأن يذهبوا هم وميشال معوض، لانتخاب فرنجية مرشح حزب الله.
وكما حدث بالأمس مع ميشال عون الذي رشحه الحزب ثم تحول لمرشح خصوم الحزب أيضاً؛ يمكن أن يحدث اليوم مع فرنجية لجهة أن يصبح مرشح المستقبل، ومن ثم مرشح القوات، وتالياً وأخيراً يصبح مرشح حارة حريك..
ونفس حال الحزب الذاهب إما لتكرار مشهد ميشال عون ٢٠١٦ مع فرنجية أو إلى تسوية على جوزاف عون؛ فإن التيار الوطني الحر أيضاً يحاول عبثاً مع باسيل تكرار ما حدث مع عمه في انتخابات ٢٠١٦.. وحالياً ثبّت التيار العوني والباسيلي قواعد لعبته الرئاسية؛ أنه لا يريد فرنجية لأنه خطر على باسيل، وبنفس الوقت لا يريد جوزاف عون لأنه خطر على باسيل؛ بمعنى آخر يقول باسيل لنصر الله: إخرج من لعبة تخييري بين سليمان فرنجية وجوزاف عون؛ فكلاهما يشكلان خطراً مستقبلياً على وجودي السياسي!!..
وبالمقابل يطرح باسيل أسماء للرئاسة بهدف أن تكون بديلاً عن مرشح حزب الله فرنجية، وعن مرشح التسوية جوزاف عون. ولكن كل الأطراف تتعامل مع مرشحي باسيل للرئاسة على أنهم ليسوا أكثر من ورقة يريد من خلالها صهر الرئيس ميشال عون، المناورة، والقول أنه لديه بدائل عن فرنجية وقائد الجيش!!.
من جهة ثالثة فإن المرشحين الآخرين من ميشال معوض حتى زياد بارود؛ ليسوا أكثر من افتتاحية شوط السباق الذي بخلاله يتم تدشين بداية مشهدية لما سيحدث لاحقاً من وقائع فعلية وتنافسية حادة.
..يبقى أن هناك أسماء يقال أن بكركي رشحتها، أو أن بكركي تدعمها، وأن الفاتيكان لديه ثقة بها.
ويوجد بين هذه الأسماء شخصيات لديها أولوية عند الفاتيكان، بمقابل أن بعضها الآخر لديه أولوية عند بكركي. وعليه يمكن للمراقب أن يسمع بخصوص هذه الجزئية نظرية تقول أن هناك فوارق، ولو أنها غير واضحة، بين أولويات نظرة بكركي للرئاسة وبين أولويات نظرة الفاتيكان. ويستنتج أصحاب هذا الرأي بأن هناك ظلالاً ليست صافية في علاقة بكركي بالفاتيكان..
وبكل الأحوال، يُجمع الجميع تقريباً، على أنه ليس لدى الفاتيكان مبادرة رئاسية تجاه لبنان؛ ومن هنا يستنتج هؤلاء أنه مستبعد أن يكون لدى بكركي أية مبادرة لانتخاب فخامة الرئيس أو جمع أقطاب الموارنة للاتفاق على خارطة طريق تنهي الفراغ الرئاسي، ذلك أن بكركي لا يمكنها لوحدها، ومن دون دعم واضح من الفاتيكان، أن تقوم بمبادرة رئاسية، أو أن تخوض لوحدها معركة “عقلنه” مجانين السياسة المورانة.. والجميع يذكر أنه حينما فعل ذلك البطريرك صفير دخل العونيون إلى بكركي، وحطموا أثاثاً فيها؛ ما اضطر البطريرك صفير للفرار من وحه المشاغبين المؤمنين بالبطريركية العونية. ولم يتوقع أحد آنذاك من المؤمنين المسيحيين أن يرسل بابا روما، جنرالات الفاتيكان لحماية بكركي، وحتى هؤلاء لم يسمعوا أي حس صلاة قادمة من روما تدعم البطريرك صفير الذي كان له مكانة في الفاتيكان هي بالتأكيد تفوق بحدود معينة، ولأسباب تتعلق باختلاف الظروف، المكانة الموجودة اليوم للكاردينال الراعي.
إن الفاتيكان منذ أيام ستالين لا تملك مدافع؛ ولكنها بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أثناء الحرب الباردة وأيضاً اليوم، أصبحت تملك دبلوماسية فاعلة وصامتة ومثابرة.
وبحدود معينة يجب انتظار عمل ما من الفاتيكان باتجاه لبنان، ولكن على طريقتها لن يكون ذلك عاجلاً؛ لأن رجال الدين المؤمنين يرفعون أمام أبصارهم أمثولة تقول “سر ببطء حتى تصل بسرعة”.