خاص الهديل:
هناك على ضفاف حزب الله نخب كثيرة تأخذ على الحزب أنه فيما لديه رؤية واضحة لحضوره السياسي والعسكري في عدة دول في الإقليم، فإنه لا يملك مشروعاً عملياً إنقاذياً واضحاً للوضع الداخلي اللبناني..
..وهذه شكوى قديمة، وكان دائماً يواجهها حزب الله بالقول أنه يكفيه هم المقاومة لإسرائيل، ولا يريد أن يفتح إلى جانبها “مقاومة أخرى” أصعب ضد الفساد الداخلي.
وتعاظمت حالياً هذه الشكوى، ووصلت إلى بيئات داخل الحزب، ولم تعد محصورة فقط بنخب قريبة منه..
والواقع أن هذه الفكرة عن دور الحزب الداخلي التي كانت بالأمس بمثابة نوع من “النق” (حسب اللغة اللبنانية الدارجة)، يقوم بها بعض المثقفين الشيعة من أصول يسارية وفتحاوية، أصبحت اليوم لها منزلة “النقد” الموجودة داخل الحزب والتي باتت تصغي إليها قيادته.
وبحسب هؤلاء المنتقدين فإنه لم يعد مقبولاً أن تكون صورة حزب الله الإقليمي والعقائدية مفهومة وواضحة الأهداف والغايات، بينما صورة حزب الله الداخلي ضبابية وغير واضحة!!.. كما لم يعد مقبولاً أن ينجح حزب الله بمهمة تحرير الأرض من الإحتلال الإسرائيلي، ويفشل – أو لا يحاول الشروع – في مهمة تحرير المواطن من إحتلال الفساد الداخلي!! وأنه لم يعد مفهوماً لماذا لا يستعمل الحزب طاقته الداخلية الكبيرة بإتجاه إعلان نفسه قوة سياسية لبنانية إصلاحية، بحيث يبدأ بصياغة تحالفاته الداخلية على أساس من هو مع مشروعه الإصلاحي، وليس على أساس من هي القوى التي لها مصلحة في الحصول على حماية الحزب السياسية بمقابل أن تدفع له ثمن ذلك، تقديم الغطاء الداخلي لسلاحه ولمواقفه الإستراتيجية الإقليمية…
وفيما لو تم وضع خطاب نصر الله قبل أيام (بمناسبة ٣٠ عاماً على إنشاء المركز الاستشاري)، ضمن سياق بحث المنتقدين عن دور حزب الله الداخلي، فإنه يمكن القول أن هذا الخطاب يمثل أكثر خطاب علني لنصر الله يقترب فيه لحد ما، من الإجابة عن سؤال أين حزب الله الداخلي؟.. وأين رؤية الحزب الداخلية على مستوى الإجابة عن أسئلة أي لبنان يريد، وأي اقتصاد، وأي سياسة، وأي دور، الخ..؟؟
طبعاً، لم يجب نصر الله في خطابه المذكور عن كل هذه الأسئلة، ولكن من منظار الباحثين عن حزب الله الداخلي، فإنه على الأقل وعلى نحو نادر، عرض لعناوين تقارب الإجابة عن هذا السؤال..
..وطالما أن لهذا الخطاب صلة بالبحث عن تفكير حزب الله الداخلي، فإن السؤال المهم يصبح التالي: من خلال قراءة خطاب نصر الله، ما الذي يمكن فهمه بخصوص إلى أين وصل الحزب بالإجابة على سؤاله عن دوره الداخلي بعد كل التجربة التي مر بها، وبعد كل ما يشهده لبنان من انهيار داخلي؟؟..
هناك عدة عناوين؛ يظل أبرزها عنوانان:
الأول- كان لافتاً أن نصر الله تحدث عن المركز الاستشاري (وهو بمثابة مركز ابحاث الحزب) بوصفه “مصنع التفكير” الذي يمد قيادة ونواب الحزب ووزراءه بالدراسات والمعطيات التي على أساسها يبنون مواقفهم داخل البرلمان والحكومة من المشاريع والقوانين المطروحة للنقاش.
ويريد نصر الله القول أن الحزب يأخذ قراراته في البرلمان وفي الحكومة استناداً لأبحاث معمقة يجريها مركزه الذي فيه باحثون متخصصون.. والمعنى المقصود إيصاله هنا، ان حزب الله الحكومي والبرلماني لا ينطلق فقط في تحديد مواقفه من الأيديولوجية، بل أيضاً من المعطيات العلمية التي تدعم نظرته العقائدية للقضايا المختلفة المثارة في البرلمان والحكومة.
العنوان الثاني، وكان له منزلة الفكرة الأساسية التي عبّر عنها نصر الله بأكثر من أسلوب في خطابه، وتمثلت بأن بداية مشروعه الداخلي ترتكز على تحقيق هدف إيصال رئيس جمهورية لا يخاف من الأميركيين، وعلى صورته يتم أيضاً تسمية رئيس حكومة لا يخاف من الأميركيين ووزراء يتمتعون بنفس هذه الصفة.
لقد اعتبر نصر الله في خطابه أن الخوف اللبناني من الأميركيين هو المسؤول بشكل رئيسي عن الإنهيار، والتحرر من هذا الخوف ومن التبعية لأميركا سيسهم لحد كبير بإنقاذ الاقتصاد اللبناني..
وكلام نصر الله هذا يجعل أي مراقب يعتبر أن حزب الله كشف عن هوية مرشحه للرئاسة، وهو شخصية مارونية لا تخاف من الأميركيين؛ ويتوفر فيها – كما قال نصر الله – ميزة أنها ليست من ذاك النوع الذي “إذا نفخ عليها الأميركان تطير من قصر بعبدا، وتسقط في مياه البحر الأبيض المتوسط”، الخ..
والسؤال الذي يطرح نفسه ضمن معادلة نصر الله هذه، هي هل فعلاً يمكن حل الأزمة اللبنانية الداخلية بمجرد أن يصحح لبنان علاقته بالأميركيين، ويبني علاقات متوازنة بين الغرب والشرق؟؟
هناك عدة ملاحظات ستثار بوجه طرح نصر الله هذا من قبل غالبية لبنانية لديها قناعات تاربخية تجاه هذه الأمور، أبرزها:
– أن المشكلة كما يطرحها نصر الله توضح أن هناك بوناً واسعاً من اختلاف التعريفات بينه وبين الغالبية من اللبنانيين، فنصر الله يرى محاباة الأميركان هو سبب الأزمة وأن الخلاص هو بالتعامل معهم بحذر إن لم نقل بجفاء؛ فيما لبنانيون كثيرون تربوا تاريخياً على فكرة أن مصلحة لبنان تقع في أنه يجب أن يقف عند خاطر المصالح الأميركية، وأنه ليس للبنان المعجب بالنموذج الليبرالي العالمي السياسي والاقتصادي الغربي، مصلحة ولا فائدة بإغضاب واشنطن التي تساهم في حماية الليبرالية في لبنان وفي تقوية جيشه..
– ان نصر الله يتحدث عن التوجه شرقاً أو أقله التوازن في علاقات لبنان بين الشرق والغرب؛ فيما غالبية اللبنانيين يؤمنون ويجدون أن أهم أسباب فرادة لبنان وتمايزه في أسلوب حياته وفي تحصيل تقدم الإنسان فيه؛ يكمن في أن إرساليات الغرب التعليمية أتت إليه باكراً؛ وفي أن لبنان ذهب باكراً إلى ثقافة الغرب والليبرالية الغربية، الخ..
– ان خطاب نصر الله يظهر أن مشروعه الإصلاحي الداخلي يرتبط بالمشروع الخارجي الأوسع الذي عبّر عنه السيد خامنئي ورفع له شعار “إخراج أميركا من غرب آسيا” (مصطلح تعني به إيران الشرق الأوسط).. ولكن هذا الهدف هو شعار لإدارة الصراع الإيراني في المنطقة مع أميركا، بأكثر مما هو مشروع خلاصي لدول المنطقة، وبينها لبنان.