خاص الهديل:
اللقاء بين جبران باسيل ووفد رسمي من حزب الله، هدفه العميق ليس إصلاح أو ترميم العلاقة بين الطرفين؛ لأن علاقتهما كانت ولا زالت تقوم على التقاء مصالحهما ليس على أهداف سياسية، بل على “قضية نفعية” تخصهما..
والواقع أن مبدأ “النفعية السياسية” أو بتعبير أدق “المنفعية السياسية” تحكمت بكل معنى اتفاق مار مخايل، كما تتحكم اليوم وغداً بعلاقة باسيل مع الحزب، ومفادها أن كل من الطرفين يشعر بفائدة أحياناً تكون كبيرة وأحياناً تكون مقبولة، جراء بقاء أحدهما مع الآخر.. ومع الوقت أصبحت هذه العلاقة المنفعية هي “علة وجود باسيل السياسية” من ناحية، ومدخل الحزب الوحيد للتواجد في الساحة المسيحية من ناحية ثانية.
ربما كانت هذه المقولة تحتاج لتفسير أكبر وإيضاح افضل، حتى يصل معناها العملي للمهتمين هذه الأيام بمصير علاقة باسيل مع حارة حريك، وبالعكس.
ويجدر في هذا المجال عرض ثلاث نقاط:
النقطة الأول تخص فهم المراحل التي مرت بها علاقة باسيل بحزب الله.. لقد مرت هذه العلاقة بعدة مراحل: الأولى هي مرحلة البدايات التي تميزت بوقوف باسيل خلالها وراء عمه ميشال عون الذي كان حينها هو الطرف المهيمن على ملف كل العلاقة داخل التيار الوطني الحر.
المرحلة الثانية تقدم خلالها باسيل بدعم من عمه ليقف بجانبه كممثل للتيار البرتقالي في العلاقة مع حزب الله. وخلال هذه المرحلة أصبح باسيل هو صلة الوصل الوحيدة من بين كل التيار الوطني الحر، لعمه وللعونيين بحزب الله. وخلال هذه الفترة غير القصيرة، بات حزب الله يعرف التيار الوطني الحر من خلال باسيل.
المرحلة الثالثة تقدم فيها باسيل خطوة أمام عمه ميشال عون كممثل للعلاقة بين التيار البرتقالي وحزب الله.. وفي هذه المرحلة المستمرة منذ وصول عون للرئاسة حتى الآن أصبح باسيل بدعم من عمه، هو مستقبل علاقة العونيين وكل إرثهم، مع حزب الله، وبات يتوقف على مدى تفاهم الحزب معه أو اختلافه معه، قياس مؤشر ارتفاع أو انخفاض حرارة اتفاق مار مخايل.
النقطة الثانية تبدأ من عند نتيجة النقطة الأولى التي تقول أن باسيل هو مستقبل علاقة العونيين بحزب الله الذي بدوره – أي الحزب – اعتاد منذ فترة غير قصيرة على رؤية التيار البرتقالي والعونيين فقط من ثقب باب باسيل..
..وعليه، ونتيجة لرغبة ميشال عون، فإن باسيل تحول مؤخراً، بالنسبة للعونيين ولحزب الله الى خيار اتفاق مار مخايل الوحيد. وهنا يجب التشديد على أن اتفاق مار مخايل لم يكن بالأساس استراتيجية بناء دولة، أو تغيير واقع سياسي، بل كان “اتفاق تغيير وقائع سياسية” في جانب منه، وفي جانب آخر كان “اتفاقاً رئاسياً” كما يصفه سمير جعجع، أي أنه يستمر طالما أن نصر الله يستطيع أن يؤمن لعون ولصهره رئاسة الجمهورية. وهو بجانب أساسي منه كان “اتفاق المنفعية السياسية” التي وصفها ميكافيلي بكتابه الأمير بالعبارات التالية: “ما هو مفيد هو ضروري”. والواقع أن المنفعية السياسية بين باسيل وحزب الله تقوم على مبدأ أن ما مفيد للطرفين هو ضروري لكليهما، وما هو غير مفيد للطرفين لن يكون ضرورياً للطرفين أيضاً.. ومن هنا مثلاً كان ضرورياً بالنسبة للحزب أن يعتبر معركة باسيل في الانتخابات النيابية معركته، لأن نجاح باسيل بعدد نواب يفوق عدد نواب القوات اللبنانية هو مفيد للطرفين؛ ولذا هو ضروري لكليهما.. أما مسألة ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية، فسيكون ذلك ضرورياً، إذا كان مفيداً للطرفين، ولن يكون مفيداً للطرفين إلا إذا تم رفع العقوبات الأميركية – ولو بجزئها السياسي – عن باسيل؛ ولحظة حصول ذلك، فإن “ترشيحه المفيد سيصبح ضرورياً للطرفين”..
…ومن يغامر ويستعجل ويقول منذ الآن أن هناك “خلافاً” و”طلاقاً” بين باسيل وبين الحزب حول ترشحه لرئاسة الجمهورية، إنما يفعل ذلك لكونه لا يقيس علاقة الطرفين وفق مبدأ “المنفعية السياسية” لميكافيلي التي تربط بين “المفيد الضروري”.
النقطة الثالثة التي يحب تبيانها تقع في أن من يقف عثرة بوجه ترشح باسيل ليس حزب الله بل العقوبات الأميركية التي يشيع باسيل أنه يعمل لإزالة “الجزء السياسي منها” في الربيع القادم؛ (حسب نظرية باسيل فإن العقوبات ضده جزءان أحدهما له صلة بإدارة الرئيس ويمكن إزالته وعندها ينتهي الجانب السياسي منها ويظل الجانب القضائي!!).. وفي حال حصل ذلك – أي انتهاء “العقوبات السياسية” – فإنه حينها سيكون بوسع باسيل الترشح للرئاسة.. وهنا لا يتوقع باسيل، ولا العارفون بطبيعة اتفاق مار مخايل، أن يمتنع حزب الله عن دعم ترشيح باسيل، انطلاقاً من مبدأ أنه بعد رفع العقوبات السياسية الأميركية عنه “يصبح ترشحه للرئاسة مفيداً (للطرفين) وبالتالي يصير ضرورياً”.
يحب في هذا المجال تذكر أنه في انتخابات ٢٠١٦ كان سليمان فرنجية هو الذي افتتح موسم الإنتخابات الرئاسية، وكانت أسهمه حينها مرتفعة، نظراً لترشيح الحريري له.. وكان السؤال آنذاك كما اليوم، هو متى يعلن حزب الله ترشيح فرنحية ليصل للرئاسة.. ولكن حارة حريك اختارت اللحظة التي تناسبها لإعلان ترشيحها ميشال عون.
..وحالياً ليس هناك ما يمنع تكرار نفس السيناريو مع باسيل، وفي حال حصل ذلك، سيكتشف فرنجية الذي ينتظر موافقة حزب الله على ترشيحه، أنه اليوم، وكما في العام ٢٠١٦، لم يكن ترشيحه إلا نوعاً من نوبة حراسة لحماية مرحلة نضوج ترشيح باسيل من قبل الحزب الذي لا يمنعه حالياً عن ترشيح باسيل سوى انتظار أن ينجح الأخير(أي باسيل) بحل الجانب السياسي من العقوبات الأميركية ضده، كما تشيع الرابية..