خاص الهديل:
توزعت عمليات الإحتجاجات الشعبية أمس على عدد من المناطق التي تُشكل مفاصل الطرق في العاصمة وضواحيها الجنوبية والشرقية، وفي مناطق الجنوب والشمال؛ إضافة لمناطق أخرى.
ولم يكن للإحتجاجات ليلة أمس خلفية مطلبية واحدة، ذلك أن الجهات المشرفة على توجيهها أرادت كل واحدة منها إيصال رسالة معينة لجهة محددة.
.. ولعل أدق توصيف لهذه الإحتجاجات هو أنها كانت إحتجاجات جرى خصخصتها سياسياً؛ حيث أن كل طرف سياسي، سواء ينتمي للسلطة أو للمعارضة، نال أسهماً فيها..
..بمعنى آخر فإن الجهات التي أرادت إيصال رسائل تحذيرية عبر الشارع لمن يقف خلف المحقق العدلي البيطار، نفذت ذلك من خلال إشاعة جو مضبوط من الفوضى على مفاصل الطرق الموجودة في مناطقها. وقد جرت “بروفا الفوضى” هذه تحت شعار الاحتجاج على الوضع المعيشي المتعاظم بالتردي، ولكن من يهمه الأمر يعرف أن رسالة الفوضى هذه، موجهة للاعتراض على عودة القاضي البيطار الى ملف انفجار مرفأ بيروت..
وهناك عينة ثانية من احتجاجات أمس، جرت في نقاط قديمة – جديدة؛ كمنطقة بيت الكتائب والرينغ، وغيرهما؛ وهذه نقاط يجري بالعادة إشعالها في كل مرة يتم فيها حدوث طفرة غلاء على سعر الدولار والمحروقات، الخ.. ولكن الرسالة الموجهة من هذه المناطق غالباً ما تحمل معاني سياسية مسيحية – مسيحية، بتغليف معيشي واقتصادي.
..وأيضاً برزت عينة ثالثة داخل إحتجاجات أمس، نفذتها بقايا شوارع سياسية ومذهبية وطائفية وحزبية. وفيما لو جرى التدقيق بتفاصيل كل نقطة شهدت أمس حركة احتحاجات لأمكن معرفة عدد الجهات التي شاركت فيها، ولتبين أن هذه الجهات بلغت بالعشرات؛ وجميعها تلطت وراء استغلالها شعار الوضع الاقتصادي المتردي لتبرر تحت ستارته إطلاق فوضى شعبية مضبوطة في زواريبها الجغرافية، وذلك بهدف تحذير جهة معينة تستهدفها سياسياً أو قضائياً أو إقتصادياً.
وعلى هذا يمكن القول أن ليلة أمس شهدت “عجقة” تبادل رسائل سياسية عبر حركة تفليت مقصود ومضبوط للشارع.. ورغم أن الشعار العام الظاهر لهذه الإحتجاجات هو الرد على غلاء الأسعار، إلا أن واقع ما كان يحصل ليلة أمس هو بمعظمه لم يكن يمثل صرخة الجوع، بل كان يمثل بالجزء الأكبر منه تبادل رسائل سياسية بين جهات سياسية تشكو من التخمة، وليس من الجوع.. وكانت كل واحدة من هذه الجهات تريد القول ليلة أمس التالي: إن “قرار تفليت الشارع” هو قراري، وعليه بجب الحذر من محاولات استهدافي.
والواقع أن لعبة تبادل الرسائل بين الجهات السياسية المختلفة ليلة أمس انتهت على “حذر”، وتركت في أثرها سؤال عن مصير الأمن الممسوك وليس المتماسك.
وفي مجال التوقف عند هذا السؤال برزت ثلاثة معطيات يتوجب التمعن بها:
الأول هو ما شهده يوم أمس من تطور على مستوى عودة القاضي بيطار إلى ملف التحقيق بالمرفأ، الأمر الذي دفع الجهات المتضررة من عودته هذه، إلى المشاركة بشكل خفي ليلة أمس بتفليت الشارع.. وكانت رسائل هذه الجهات واضحة ومقرؤة رغم أن مشاركتها لم تجر تحت رفع علمها، بل عبر التستر بأنها حركة غضب ناس عفوية بسبب تردي الوضع المعيشي.
المعطى الثاني هو قفز سعر صرف الدولار الى ما فوق الخمسين ألف ليرة، واستقراره حالياً عند ما فوق هذه العتبة..
والواقع أن رقم الخمسين ألف ليرة هو رقم سياسي وليس رقماً مالياً صرفاً.. بمعنى أن وصول سعر صرف الدولار الى ما فوق الخمسين ألف ليرة، يعني أن منسوب تصعيد الوضع السياسي ارتفعت درجة حرارته، ما يثير القلق على الوضع الأمني والسياسي الداخلي.
السؤال اليوم هو هل عودة القاضي البيطار واستقرار الدولار عند عتبة الخمسين ألف ليرة، هي مؤشرات لبدء العد العكسي لحصول الفلتان الأمني المرتقب؟؟