خاص الهديل:
العملية التي نفذها ليلة أمس فلسطيني من سكان القدس وأدت إلى مقتل نحو ٩ إسرائيليين، تركت صدمة داخل الكيان الإسرائيلي. وأسباب الصدمة لا تعود فقط لارتفاع عدد قتلى العملية، بل لأنها جرت في توقيت داخلي إسرائيلي استثنائي، وذلك من عدة زوايا:
أولاً- لأن إسرائيل خارجة من انتخابات عامة أظهرت نتائجها أن المجتمع الإسرائيلي بنسبة عالية منه، لا يزال يؤمن بأن سحق الشعب الفلسطيني هو الحل الأمثل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعليه؛ فإن هذه العملية جاءت في توقيتها الحالي لتقول لمجتمع اليمين الإسرائيلي بخاصة أن ثمن هذا التفكير العنصري والإلغائي، مرتفع وكبير جداً على إسرائيل.. وضمن هذا المعنى، فإن عملية القدس تعتبر نموذجاً عن هذا الثمن المؤلم الذي ينتظر إسرائيل في حال لم تراجع موقفها من حل الصراع مع الفلسطينيين.
ومن خلال قراءة ردود الفعل الأولية للشارع والصحافة في إسرائيل على العملية، يتبين أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من صدمة جراء شعوره بأن ثمن عدم الحل العادل مع الفلسطينيين، مرتفع الكلفة. ولعل أبرز رد فعل يوضح هذا المعنى هو ما طالب به مراسل عسكري إسرائيلي بخصوص أنه من الضروري اعتقال بن غفير كونه مسؤول عن شحن جو الصدام مع الفلسطينيين.
ثانياً- لأن إسرائيل منقادة حالياً من حكومة معرضة لانهيار توازناتها عند أول امتحان يواجهها، ما أثار مخاوف الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة من أن تكون عملية القدس سبباً لفرط الحكومة على خلفية الخلاف على نوعية الرد ضد الفلسطينيين بين نتنياهو من جهة، وبين جناح أقصى اليمين في الحكومة من جهة ثانية..
وكل القصة هنا هو أن السبب الذي دفع نتنياهو ليرتكب مجزرة في جنين، هو إرضاء جناح أقصى اليمين في حكومته، وبالتالي استخدام الدم الفلسطيني في شد عصب الحكومة اليمنية، وإظهار أنها موحدة وليست عرضة للانفراط عند أول استحقاق خلافي تواجهه.. ولكن نتنياهو لم يكن يتوقع حجم الرد الفلسطيني، ما قلب السحر على الساحر، وجعل نتنياهو من جهة أمام ضغط جناح أقصى اليمين الذي سيطالبه برد قوي ليس أقل من الدخول في حرب ضد غزة والضفة معاً؛ وجعل كل حكومته من جهة ثانية أمام امتحان الإحراج الكبير أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي سيلومها على تقصيرها الأمني..
والواقع أنه في حال قررت حكومة نتنياهو التوحد وراء قرار شن حرب شاملة على غزة رداً على عملية القدس، فإن ذلك سيحدث في توقيت غير مناسب للجبهة الداخلية الإسرائيلية التي يسودها منذ أسبوعين حالات عارمة من الاعتراض على الهوية العنصرية لحكومة نتنياهو التي تمارس التمييز العنصري ليس فقط على الفلسطيني، بل أيضاً ضد الآخر الإسرائيلي، وأيضاً الاعتراض على وزراء الفساد بداخلها؛ ولذلك فإن ما تحتاجه الحكومة بحسب جناح نتنياهو، هو هدنة لتهدئة الجبهة الداخلية، وأيضاً لتهدئة الغضب الأميركي على تركيبة الحكومة المتطرفة، وليس حرباً تفاقم من توتر الجبهة الداخلية، وتزيد من قلق واشنطن، وتوحي إليها بأن الحكومة تنقاد عملياً من جناح أقصى اليمين..
وينتظر أن يحاول نتنياهو احتواء رد الفعل الإسرائيلي على عملية القدس بحيث لا يذهب إلى “تصعيد مفتوح” بل محدود ومدروس.. ولكن بالمقابل يظل هناك احتمال أن يحاول “جناح أقصى اليمين” في الحكومة الضغط على نتنياهو عبر فرض السيناريو التالي عليه، ومفاده إرغامه/ أو إقناعه بأن أفضل طريقة لحل مشكلة حكومة اليمين مع الاعتراض الداخلي عليها، هو تصدير هذه المشكلة للخارج، عبر شن حرب على غزة والضفة في آن واحد، ولكن شرط إعطاء هذه الحرب تسمية “حرب الاستقلال الثانية”، ما يوحد كل الإسرائيليين وراء حكومة اليمين الذاهبة إلى خوض حرب استقلال ثانية تؤدي بحسب أهداف جناح أقصى اليمين إلى حسم الصراع عسكرياً مع الفلسطينيين، وذلك من خلال تهجيرهم من الضفة نحو الأردن الدولة البديلة، ومن غزة نحو مصر لجعل سيناء دولة غزة الفلسطينية، وبالتالي إعلان دولة إسرائيل الخالية من هواجس تحولها إلى دولة ثنائية القومية.