خاص الهديل:
لا توجد جهة أمنية في لبنان تستبعد حصول إنفجار اجتماعي نتيجة استمرار تردي الأوضاع المعيشية من جهة مما يثقل على كاهل العائلات الفقيرة إلى أبعد الحدود، ونتيجة استمرار انسداد الأفق السياسي من جهة ثانية، ما يفقد المواطن اللبناني الأمل بالغد وبإمكانية إصلاح الحال… وكل هذه المعطيات تتضافر معاً لتكون كل ما يشبه برميل البارود المضغوط القابل للانفجار في أية لحظة يحدث فيها تطور سياسي أو معيشي ضاغط، حيث يؤدي هذا التطور دور عود الثقاب المشتعل الذي يحدث الانفجار الكبير فور ملامسته لبرميل البارود الاجتماعي.
والواقع أنه خلال ليلة الجمعة – السبت الماضي، عندما قفز سعر صرف الدولار الى ما فوق ال ٦٣ ليرة لبنانية، وجراء ذلك ارتفعت أسعار المحروقات والمواصلات والسلع إلى حدود قصوى، ظهر أن برميل البارود الاجتماعي معرضاً للانفجار، ولكن حدث فجأة تطور أخّر انفجاره، وذلك عندما تم تدارك الأمر ليلاً، وجرى توفير آليات للتحكم بسعر صرف الدولار وجعله يهبط لمستوى ما فوق الخمسين ليرة وما تحت الستين ليرة.
..ورغم أن هذه العتبة لسعر صرف الدولار تعتبر مرتفعة، إلا أنها أوحت للمواطن بأنه لا يزال هناك لدى الدولة قدرة على لجم إرتفاع سعر صرف الدولار وتحويل مساره إلى مستوى تراجعي، بدل استمرار مساره على نحو تصاعدي..
ولا شك أن هذه الإشارة التي تم بثها للمواطنين عبر إيقاف مسار سعر صرف الدولار التصاعدي. أدت إلى تهدئة موجة القلق العامر التي سادت البلد طوال نهار يوم الجمعة الذي حفل بكل الإيحاءات التي تؤشر إلى أن الدولار خرج من عقال السيطرة عليه، وأن سعر صرفه يتجه بسرعة صاروخ ليتجاوز المئة ألف ليرة لبنانية. وكان واضحاً ضمن هذه الأجواء أن الشارع سيذهب لانفجار كبير مع نهاية يوم الجمعة.. وبالفعل مع حلول المساء، بدأت عمليات قطع الطرقات وحالات التجمهر اعتراضاً على دخول الوضع المعيشي في المجهول، تسود معظم المناطق اللبنانية.
ويمكن القول أن تدخل المصرف المركزي بالوقت المناسب (ليل يوم الجمعة – السبت) أدى إلى تراجع احتمال تفجر برميل بارود الاحتجاج الاجتماعي على نحو كبير في لبنان.
..ولكن السؤال هو إلى متى يمكن الإستمرار بالتصرف سياسياً ومعيشياً، من دون تحرك انقاذي بنيوي، بظل الإعتماد على إجراءات تقنية وجزئية لتأخير الإنفجار الاجتماعي وشراء الوقت الصعب؟؟
إن السياسة المتبعة على المستوى المعيشي تظهر وكأن الدولة باتت تعتبر أن الشعب أدمن الجوع، وعليه فإنه لا خوف من أن يقوم بردة فعل، وبالتالي ليس هناك أي داع لإعارة آلام الناس ومعاناتهم أية أهمية، وأيضاً يجب عدم القلق من إمكانية حدوث حالة تفلت واسع للاضطرابات على نحو تشبه ما يحدث من عواصف تسونامي المفاجئة.
ومن نافل القول أن هذا التقدير الذي يلغي ردة فعل الناس على تعاظم العازة المعيشية، هو تقدير خاطئ وغبي ومدمر؛ خاصة وأن كل المؤشرات تدلل على أن البلد قد يشهد واحد من أخطر سيناريوهين محتملين للفوضى الخطرة:
السيناريو الأول انفجار اجتماعي تتلطى خلفه جماعات إرهابية تقوم بتنفيذ خطة السيطرة على مناخ العنف في البلد من خلال التستر وراء الاحتجاجات المعيشية الصاخبة.
السيناريو الثاني هو أن تقوم الديموغرافيات غير اللبنانية المقيمة في البلد (السوريون والفلسطينيون) بالانخراط في حملات الاحتجاج الشعبية.. وسيؤدي تعاظم مشاركة هذه البيئات في الاحتجاجات المعيشية إلى أخذ الأمور في لبنان، إلى مخاطر استراتيجية كبرى على غير مستوى.