خاص الهديل:
عملية قصف المنشآة العسكرية الإيرانية في اصفهان، تضع المنطقة أمام اختبار لموازين القوى في المنطقة؛ وهناك خشية أن تنزلق أطراف هذا الاختبار إلى حرب اقليمية مفتوحة لا يمكن توقع النتائج التي ستسفر عنها. والسؤال اليوم لم يعد حول ما إذا كانت إسرائيل هي التي أرسلت الطائرة المسيرة لتستهدف منشآة عسكرية في أصفهان، ذلك أن تل أبيب شبه أعلنت مسؤوليتها عن هذه العملية، ولكن السؤال الأهم الآن هو هل واشنطن شاركت إسرائيل بهذه العملية..
..واذا ثبت لإيران أن الإجابة عن السؤال الثاني هو بالإيجاب، فهذا سيحتم على المنطقة أن تستعد لجولة تصعيد من دون سقف يضبطها، أما إذا ظهر لطهران أن إسرائيل تفردت بضرب إيران، فإن ذلك يمنح الموقف مساحة تهدئة، ويجعل هناك إمكانية لاحتواء المسار العسكري بمبادرات سياسية.
وكان لافتاً أنه عقب تسرب معلومة ضرب إسرائيل لمنشآة أصفهان، وصل إلى طهران مسؤول قطري وهو يحمل تفويضاً من كل أطراف الرعاية الدولية لمحادثات جنيف النووية الدولية مع إيران، بالسعي لإعادة الحيوية لجولات التفاوض في جنيف. وهذا يعني أن واشنطن تقول لطهران أنها لا تشارك حكومة أقصى اليمين في إسرائيل الموقف بخصوص بدء حملة تصعيد عسكري ضد إيران، بدليل أن إدارة بايدن أذنت بفتح ممر سلمي حتى تستطيع إيران عبره الخروج من تداعيات ضربة اصفهان، والولوج منه إلى طاولة التفاوض في جنيف..
وخلال الساعات الماضية ظهر أن إيران تستجيب لفكرة واشنطن بفتح ممر سلمي للخروج عبره من سيناريو حرب مباشرة مع إسرائيل، إلى سيناريو العودة للتفاوض في جنيف، حيث تقصد وزير الخارجية الإيرانية الكشف عن مهمة زيارة المسؤول القطري إلى إيران، قائلاً أنه حمل رسالة لطهران من الدول الراعية لمحادثات جنيف كي تعود لطاولة التفاوض حول الاتفاق النووي.
قد ترد إيران على ضربة اصفهان الإسرائيلية في مكان ما خارج فلسطين المحتلة، خاصة وأن المسيرة التي استهدفت أصفهان انطلقت من دولة مجاورة لإيران.. ولكن الفكرة الأساسية التي تثير قلق طهران بعد حدث أصفهان، تتكون من إعتبارين استراتيجيين اثنين:
الإعتبار الأول يتمثل في أن إسرائيل تقصدت أن تتجاوز الخط الأحمر عندما وجهت ضربة لإيران داخل أراضيها.. وفي حال سمحت إيران لهذه السابقة أن تمر من دون رد فعل من قبلها يخرق الخطوط الحمر الإسرائيلية؛ فهذا يعني أن تهديد تل أبيب بتوجيه ضربة اجهاضية للمفاعلات النووية الإيرانية، لم يعد تهديداً لفظياً، بل أصبح تهديداً جدياً، وأصبحت مسألة تنفيذه هي مسألة “وقت استراتيجي”.
الاعتبار الثاني هو مدى التورط الأميركي في قرار تل أبيب بتوجيه ضربة مباشرة لإيران؛ فطهران تدرك أنه لا يمكن لنتنياهو أن يذهب لضربة عسكرية داخل إيران من دون موافقة أميركية، وعليه فإن السؤال في طهران هو: هل أميركا أعطت ضوء أخضر لتل أبيب كي تعالج عسكرياًالملف النووي الإيراني. أم أنها أعطتها ضوء أخضر على عملية اصفهان التي تشكل جزء من مناورة ضغط سياسية أميركية إسرائيلية على إيران وعلى كل المنطقة،. بمعنى آخر: تريد إدارة بايدن من خلال هذه المناورة الحية ضد منشآة اصفهان العسكرية، أن تخاطب ظاهرة نزعة التفلت التي من “الهيبة الأميركية” التي تسود المنطقة، بالقول أنها لا تزال تمسك بزمام المبادرة ضد طهران في الشرق الأوسط، وأن انشغالها عالمياً بالصراع ضد روسيا والصين لم يضعفها في المنطقة..
وفي هذه النقطة يجدر لحظ أن عملية أصفهان تصاحبت مع المناورة الأميركية الإسرائيلية العسكرية التي حاكت ضرب مفاعلات إيران النووية، وتزامنت أيضاً لجهة تداعياتها، مع زيارة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة..