خاص الهديل:
هناك سؤال لا يمكن تجاهله في هذه اللحظة من عمر مسار أزمة الفراغ أو الشغور الرئاسي، وهو هل وليد جنبلاط يحمل فعلياً، مبادرة لإنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب فخامة الرئيس العتيد؟؟
وإذا كان الجواب بالإيجاب؛ وهذا ما تظهره الوقائع. فحينها سيُفتح باب الأسئلة على مصرعيه، ومنها: من هي الجهة او الجهات التي شجعت أو نسقت مع وليد جنبلاط في إنتاج مبادرته؟؟ وأية خطة مضمرة تتبعها؟؟ وأي هدف تريده؟؟ وضمن أية معادلة ضمن موازين القوى الداخلية المستجدة، يجب احتساب عودة جنبلاط للعب أدوار وسطية؟؟
من جهته رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قال أمس أن مسعى جنبلاط الباحث عن فخامة الرئيس العتيد، غير منسق مسبقاً مع معراب!! وهناك من يشك بأن جعجع يحاول تغطية حقيقة أن القوات أرادت منذ فترة أن يتحرك جنبلاط على خط عين التينة لإقناع بري بالتحرك مع حارة حريك لجعل الثنائي الشيعي يذهب لخيار ثالث لصالح قائد الجيش أو غيره، فالمهم بالنسبة لمعراب أن يؤدي هذا الخيار الثالث الى ترشيح شخصية من خارج فكرة المفاضلة القائمة بين جبران باسيل وسليمان فرنجية.
ويبدو أن باسيل وصلت إليه فكرة أن القوات تحاول التسلل – أو تسللت بالفعل – إلى داخل نية المختارة بالتحرك بمبادرة للاتفاق على فخامة الرئيس العتيد، فبادر – أي باسيل – إلى زيارة وليد جنبلاط طارحاً عليه إسم ناجي البستاني ليكون الخيار الثالث، معتبراً أن البستاني هو محل تقاطع مقبولية عليه من الفرنسي والأميركي وحزب الله والسوري والسعودية، الخ..
واضح أن الهدف الأساس لباسيل من وراء طرحه البستاني هو أمران، الأول إرباك مبادرة جنبلاط وليس تسهيل حيوياتها، والثاني منع الخيار الثالث المنقاد – بحسب تحليل باسيل – من بري وجنبلاط ومعهما بشكل غير مباشر جعجع، من الوصول إلى اليرزة (أي لصالح العماد جوزاف عون)..
في هذه الأثناء كان باسيل يخوض عدة معارك، بعضها لها صلات مباشرة بمعركة رئاسة الجمهورية، وبعضها لها صلات غير مباشرة. أبرزها معركته مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وموضوعها التنافس على من هو المسهل اللبناني لاستكمال المرحلة التنفيذية من اتفاق الغاز بين لبنان وإسرائيل!! وفيما بو صعب طرح نفسه أنه يسهل في بيروت مساعي هوكشتاين في نيويورك؛ فإن باسيل طرح نفسه أنه “يسهل” عملية دخول قطر مكان روسيا في نادي التنقيب عن الغاز اللبناني المؤلف من آني وتوتال..
وتقوم خطة باسيل على جعل رفع العقوبات الأميركية عنه بمثابة جزء – غير مدون ولكن متفق عليه – من اتفاق ترسيم الحدود البحرية.. وكانت هذه الصفقة التي يعتبرها البعض غير منطقية، فتح بابها أمام باسيل الرئيس ميشال عون عندما أخذ على عاتقه تجاوز مطلب الخط ٢٩ والاستجابة لرغبة بايدن بتوقيع الاتفاق البحري وفق خط ٢٣ بالسرعة القصوى التي تقتضيها حسابات إدارته ذات الصلة بحاجة أوروبا للغاز نتيجة الحرب الأوكرانية.. لقد اعتبر الرئيس عون حينها أن عهده سلّف بايدن وأن الأخير سيرد التحية بالمثل عن طريق إلغاء الشق السياسي من العقوبات الاميركية على باسيل، ما يجعل الأخير في موقع سياسي يؤهله الترشح للرئاسة.
وحتى اللحظة لم تنقطع عملية انتظار عون رد بايدن التحية له، من خلال قيامه بأن يرفع عن باسيل الشق السياسي من العقوبات الأميركية المرتبط بإدارته، فيما يدخل الشق القضائي من هذه العقوبات حالة نزاع قضائي طويل، لا يكون له أية آثار سياسية على باسيل.
وهناك موعد يضربه كل من باسيل وعون لنجاح خطتهما هذه، وهي الربيع القادم حيث تسرب مصادر الرابية أنه بخلاله ستزهر حدائق رفع العقوبة السياسية عن باسيل. وبغض النظر عن الجهة التي وعدت باسيل بهذا الأمر؛ وبغض النظر أيضاً عن ما إذا كان انتظار الرئيس عون لرد بايدن التحية له، هو انتظار واقعي أو نوع من “انتظار ما لا ينتظر”، فإن ما يمكن تسميته بمبادرة جنبلاط ترسم طريقاً ثالثاً معاكساً لاتجاه طريق ميشال عون المنتظر حلول تطبيق الوعود الربيعية، وترسم أيضاً طريقاً ليس بالضرورة مواز لطريق فرنجية المنتظر نجاح ضغوط حزب الله على باسيل؛ وترسم من جهة ثالثة طريقاً أقرب ما يكون للوصول الى محطة اليرزة أو شيء يوازيها في حال حدثت مفاجآت غير متوقعة..
..ويبقى الإشارة هنا إلى أن مبادرة جنبلاط هي للبحث عن طريق ثالث خارج فرنجية وباسيل؛ وهي أيضاً للبحث عن جواب على سؤال كيف سيتم انتخاب قائد الجيش، وليس للبحث عن جواب على سؤال هل يتم انتخاب قائد الجيش؟؟ وهي أيضاً وأيضاً مبادرة لتطبيق فكرة ان الخارج مهتم بالرئاسة، ولكنه مستغرق في مشاغله، وأن المطلوب هو إنتاج اتفاق داخلي يوافق عليه ويساعده الخارج، شرط أن لا يشكل “اتفاق الداخل” هذا، استفزازاً للخارج ولا للداخل.