خاص الهديل
زيارة الوفد النيابي اللبناني إلى الولايات المتحدة الأميركية الذي ضم الياس بوصعب ونعمة افرام ومارك ضو وياسين ياسين، استمرت نحو اسبوع، وتم تحديد أهميتها المفترضة – بحسب التفسير لبنان – في أنها تشكل مناسبة كي يحاول النواب “معرفة حقيقة الموقف الأميركي” من الأزمة اللبنانية(!!)..
والواقع أن وضع هذا العنوان للزيارة يجعل مهمتها مستحيلة؛ ذلك ان السياسة الأميركية ليست كتاباً مقرؤاً، فغالباً ما يكون العم سام بواد، والعالم الثالث كله بواد آخر. وكما يقول العارفون بأمريكا؛ فإن الولايات المتحدة الأميركية وفق مواصفات إمكاناتها وضخامة مصالحها، فهي تعيش عملياً على مجرة أخرى غير التي يعيش عليها باقي حكومات وشعوب العالم؛ وأيضاً غير تلك التي يظنها الوفد النيابي اللبناني الذاهب إلى أميركا ليكتشفها بخلال اسبوع، وذلك بذهنية تخيل أن الياس بو صعب هو “الياس كرستوفر كولمبوس” عام ٢٠٢٣..
.. ومع ذلك يمكن القول أن الوفد النيابي اللبناني عاد من الولايات المتحدة الأميركية بجملة سياسية إستراتيجية مفيدة واحدة، امكنه الحصول عليها خلال لقائه بمساعدة وزير الخارجية الأميركية للشرق الأدنى بربرا ليف التي قالت “انه سيتم في لبنان تطبيق ذات الاستراتيجية المتبعة في العراق”..
وهناك من يعتقد أنه لم يكن هناك حاجة للذهاب إلى أميركا لمعرفة واحدة من الثوابت الاستراتيحية الأميركية القليلة المعروفة عن السياسة الأميركية تجاه لبنان، وهي الربط بين ما يحدث في العراق وما يجب ان يحدث في لبنان من احداث تؤثر على المسرح الجيوسياسي في المنطقة.
عام ٢٠١٩ كان العراق يشهد انتفاضة شعبية ضد الفساد السياسي، وخلال فترة وجيزة لحق لبنان بالعراق لجهة اندلاع انتفاضة شعبية فيه ضد الفساد السياسي، وقبل أشهر كان العراق يشهد ازمة ان انتخاباته النيابية لم تسفر عن اعادة انتاج السلطة؛ فحصلت أزمة عدم القدرة على انتخاب رئيس جمهورية وتسمية رئيس حكومة، وبعد اسابيع قليلة دخل لبنان ازمة ان انتخاباته لم تستطع انتاج سلطة جديدة، حيث تعذر انتخاب رئيس جمهورية وقبلها تعذرت امكانية تفعيل حكومة تصريف الاعمال.
وقصارى القول ان ما يحدث في العراق غالباً ما يكون له تتمة من الاحداث المشابهة التي تحدث في لبنان؟؟.
وهناك مدرسة في التفكير السياسي اللبناني، وأيضاً يوجد مثلها في العراق تعتقد بهذه النظرية؛ وهذه اليوم بربرا ليف تقول بشكل غير مباشر انها من المعتقدين بان لبنان مرتبط جيوسياسياً بالعراق ..
ومن يريد التحقق من الأمثلة الدالة على انه “اذا أردنا ان نعرف ماذا سيحدث في لبنان علينا أن نعرف ماذا يحدث في العراق”، يتوجب عليه الاستماع للمقارنة التي تقول ان الاحتجاجات الشعبية وصلت إلى سوريا عام ٢٠١١ ولكن موجة الاحتجاجات الشعبية لم تصل إلى جارها اللصيق لبنان الا بعد ٨ سنوات، ولكن حينما اجتاحت العراق احتجاجات عام ٢٠١٩، فإنه لم يمض اسابيع حتى قامت الاحتجاجات في لبنان.. وحتى أنه يقال ان احتجاجات تونس ومصر وسورية تشكل الجيل الأول من احداث الربيع العربي؛ فيما احتجاجات العراق ولبنان والسودان تشكل الجيل الثاني من احداث الربيع العربي.
وفيما ان الادلة الدامغة تذهب لتأكيد نظرية ان لبنان يدور جيوسياسيا بمحور ومدار العراق، فإن كلام بربرا ليف عن أن ما طبق في العراق يجب أن يطبق في لبنان، يثير لجهة قرأته التفصيلية الكثير من الغموض؛ ذلك ان هناك عدة أحداث حصلت مؤخراً قي العراق، وقادت إلى حل أزمة انتخاب رئيس وتسمية رئيس حكومة، ليست مفهومة خلفياتها لدى اللبنانيين..
..فمثلاً لا يعرف اللبنانيون أو المعنيون بالأمر من اللبنانيين، لماذا بالتحديد انسحب مقتدى الصدر المعارض من الحلبة السياسية فجأة، رغم انه كان يملك حصة الأسد من نواب البرلمان؟
واذا كان علينا في لبنان كي نحل أزمتنا، ان نحاكي ما حدث في العراق؛ فإنه كان يتوجب على الياس بو صعب ورفاقه النواب ان يسألوا بربرا ليف: من هو مقتدى الصدر اللبناني الذي عليه الانسحاب من الحلبة السياسية حتى يسهل عملية انتخاب رئيس جمهورية و تسمية رئيس حكومة، كما حصل في العراق؟؟
وكان سيستحق بو صعب لقب كريستوف كولمبوس ٢٠٢٣ لو أنه سأل ليف: هل توجب لحل ازمة إعادة انتاج السلطة في العراق ابرام “ديل أو تفاهم خفي اميركي إيراني”، وهل يمكن أن يحدث الشيء ذاته في لبنان؟؟..
ومن الأسئلة التي يجب ان تكون مطروحة أيضاً في لبنان، وليس فقط ان يطرحها بو صعب على ليف: من هو مصطفى الكاظمي اللبناني الذي رأينا ان مرحلة نموذجه في العراق انتهت؛ ومن سيكون محمد الشياع اللبناني الذي بدأت مرحلته بالصعود في العراق، وسيكون لها، حسب المتوقع، تتمة في لبنان؟؟!.