كتبت نداء الوطن:
بشارة شربل
لو فتَّش الأتراك “بالسراج والفتيلة” عمَّن يدعم بفشله عدوانيتهم التاريخية والمستمرة تجاه الشعب الأرمني لما وجدوا أفضل من نائب بيروت هاغوب ترزيان.
فنائب الطاشناق الذي أتى مبتسماً ومدعَّماً الى برنامج “صار الوقت” الأكثر مشاهدة على الإطلاق، فشل منذ البداية في عرض مأساة ناغورني كاراباخ وقصة احتلال الأذريين معبر “لاشين” لخنق 120 ألف مدني. ثم أساء الى حزبه بظهوره الهزلي والخفيف، بل ربما عبَّر خير تعبير عن سياسة ومسار حزب لم يجد في الثلاثين عاماً الأخيرة أفضل من دفن الرأس في الرمال والانحياز الى الوصاية السورية ثم الى الهيمنة الممانعة بحجة الحفاظ على الأقلية الأرمنية.
وللعلم فإن اللبنانيين الأرمن لم يكونوا يوماً مهدَّدين في وجودهم ولا في خصوصيتهم ولا في حقوقهم التي مُيِّزوا بها في لبنان، في حين أنهم “أهل ذمة” في ايران، ومعدومو الرأي الحر أو أتباع لأجهزة النظام في سوريا.
مؤسف أن ينتخب البيروتيون نائباً يلتزم الصمت السخيف والابتسامة الصفراء حين يُسأل عن تحقيق المرفأ بحجة عدم التدخل في عمل القضاء، وكأن الحياد موقف مُشرِّف حين يكون الخيار بين 220 ضحية ودمار عاصمة، وبين قضاة “المنظومة” المنحازين الى “الإفلات من العقاب”.
على أي حال، لا غرابة في موقف ترزيان، ولا في موقف حزب الطاشناق حين نتذكر تبنيه مجهولاً رشحه ميشال عون ضد الرئيس أمين الجميل في الانتخابات المتنية التي تلت اغتيال نجله بيار، وحين نتذكر أسلوب الحزب في “تنخيب” الأموات ضمن خطة تكريس النظام الأمني اللبناني السوري المشترك وكسر المجابهة السيادية مع الوصاية، ثم هيمنة المحور الوريث.
ربما صار الوقت ليتوقف حزب الطاشناق عن لعب أدوار “حصان طروادة”، وآخر مظاهرها مسارعته الى تأييد حوار بكركي المسيحي إكراماً لجبران باسيل لا للبطاركة. فسياسته الداخلية التي بررها بالخوف على الأقلية الأرمنية التي أعطت الكثير للبنان لم تمنع هجرة أكثريتها الساحقة. أما تذرعه بوجوب الاصطفاف مع طهران لمناصرتها يريفان في نزاعها مع باكو فيكذِّبه انحياز “الجمهورية الاسلامية” الى أذربيجان في الجولة الأخيرة الفاصلة من النزاع، واستنكاف موسكو عن التزاماتها تجاه أرمينيا.
الأنكى من ذلك أن حزب الطاشناق يريد من اللبنانيين والعالم أن يساندوا قضية “ناغورني كاراباخ” ويواجهوا إنكار أنقرة المشين للإبادة الأرمنية، في حين أنه يؤيد عدوان فلاديمير بوتين على أوكرانيا. وما زيارة الدعم والتأييد التي أدَّاها الحزب المذكور بصحبة “الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية” لسفير روسيا الكسندر رادوكوف في 17 تشرين الأول الماضي إلا دليل على انفصام من يستنكرون “إبادة” شعب ليؤيدوا “مجزرة” تدمير دولة وقتل أهلها. وللعلم فإن انتلجنسيا الطاشناق لا تختلف عن القيادة الحزبية وجمهورها التابع في تبرير الإجرام الروسي والإعجاب بمن لم يتردد قبل يومين في تكريم جوزف ستالين… ثم يحيون مناسبة 24 نيسان وكأن الإبادة امتياز خاص وليست جريمة ضد الإنسانية في كل زمان ومكان!
أرمن بيروت يستحقون حتماً قماشة أخرى من النواب. وقضية الأرمن أكبر من أن يستولي الطاشناق عليها بلا انقطاع