خاص الهديل
هناك جهات صديقة لحزب الله، وأيضاً نقدية له، تطالبه بإجراء مراجعة سياسية واستراتيجية لمستقبل تعاطيه مع الداخل اللبناني..
وهذه الجهات تسعى لحوار هادئ مع حزب الله؛ وتبرر الحاجة الماسة للحوار معه انطلاقاً من أنه حزب لا يمكن تجاهله أو إدارة الظهر له؛ نظراً لكونه أولاً أكبر قوة سياسية وعسكرية على الإطلاق في لبنان؛ وثانياً لأنه أقوى حزب عسكري وإقليمي إسلامي في المنطقة؛ وثالثاً لأن في سجله أنه أول حركة مقاومة فرضت على إسرائيل عام ٢٠٠٠ الإنسحاب من أراض تحتلها من دون شروط مسبقة؛ ورابعاً لأنه جزء من النسيج الاجتماعي وله تمثيل وازن داخل الحكومة وداخل البرلمان المنتخب ديموقراطياً..
والواقع أن دعاة الحوار الهادئ مع حزب الله، هم جماعة يمكن وصفهم بأنهم “برغماتيون”، وليسوا من “جماعة الايديولوجيا”.. ببساطة يقولون أن الحزب قوة موجودة لبنانياً وحكومياً وبرلمانياً وإقليمياً؛ وعليه، فإن المطلوب هو صياغة مقاربة احتوائية بشأنه، تراعي كل هذه العوامل، بما فيها عامل أن جزءً كبيراً من اللبنانيين ينظر لحزب الله بوضعه الحالي، بوصفه مشكلة داخلية كبيرة..
أصعب ما يعيق البدء بهذا الحوار الهادئ مع الحزب، هو أن دعاته غير متأكدين بعد، مما إذا كان يوجد قناعة عند حزب الله بضرورة أن ينخرط في حوار من هذا النوع مع الآخر اللبناني.. بمعنى آخر، فهم (دعاة الحوار) لا يعرفون على وجه الدقة ما إذا كان يشعر حزب الله أنه بمكان ما، يشكل للواقع اللبناني مشكلة، وحالة فيها خطأ ما؛ أم أنه يعتبر أن الواقع اللبناني هو الذي يسبب له مشكلة، وهو الذي ينطوي على خطأ ما!!..
هذه الإشكالية تأخذ الحوار المطلوب أن يكون هادئاً رغم صعوبته، إلى نوع من الجدل البيزنطي الذي يشوبه إحساس بالتوتر ..
هناك تجارب في لبنان وفي الخارج تحاكي “بروفا” أو “سيناريو” فتح حوار هادئ مع حزب الله. لا يمكن القول أن جميع هذه المحاولات اصطدمت بالفشل؛ بل الدقة والحصافة تقتضي القول ان “بعضها فشل” و”بعضها الآخر لم ينجح”.. والفرق هنا بين التوصيفين يشبه الفرق بين الهزيمة بالضربة القاضية أو الهزيمة بالنقاط.. أي أن كل الفرق هو معنوي، ولكنه بالحالة الثانية يمكن البناء عليه لتكرار محاولة الحوار الذي ليس هناك بديل له حسب رأي كثيرين.
قد يكون لافتاً، وليس مستغرباً، أن يكون الرئيس رفيق الحريري هو أول جهة لبنانية أدركت مبكراً ضرورة أن تحاور الدولة حزب الله. حينما زار الحريري الأب السيد حسن نصر الله عدة مرات، كان يفعل ذلك بوصفه ممثل للدولة التي حلم ببنائها بغض النظر عن ملاحظات البعض عليها.
إن مجرد فكرة الحريري بالحوار مع حزب الله منذ ذاك الوقت المبكر كانت إبداعية، وتنم عن برغماتية في التعاطي مع مكون ضخم، يشكل بنظر البعض أو الكثيرين، مشكلة للبلد.
لا يمكن القول أن رفيق الحريري نجح بأخذ حارة حريك لتقيم داخل مشروعه الذي بناه في مركز العاصمة الذي أراده أن يعكس تخيلاته للبنان. لقد انتهى الحوار إلى صياغة تعريف له يقول أنه حوار بين جماعة نموذج هونكونغ و”جماعة نموذج هانوي”، حسب توصيف وليد جنبلاط الذي كان يريد الإشارة عبر هذا التوصيف إلى صعوبة هذا الحوار.
بعد الحريري لم تأت جهة لبنانية لتكمل الحوار مع حزب الله. ران صمت بين حارة حريك وكل الآخر اللبناني؛ وحتى تفاهم مار مخايل بين حارة حريك الشيعية الجهادية والرابية المسيحية العونية، يتم اليوم – وبعد سنوات طويلة من توقيعه – “رفع الصوت” من قبل طرفيه بأنه إما أنه لم يطبق شقه اللبناني، أو أنه لم يكن أصلاً له شق لبناني عميق ويعبر عن حصول حوار بين مشروع بناء الدولة كما يتصوره العونيون، وبين تكيف مشروع المقاومة بالدولة كما يريده اللبنانيون من الحزب.
اليوم، وبعد استشهاد رفيق الحريري، وبعد ما يبدو أنه فشل صارخ لتجربة تفاهم مار مخايل، لا يبدو أن هناك جهة لبنانية تتجه للقيام بجولة جديدة من محاولة الحوار مع حزب الله.. والفراغ فوق هذه المساحة الحيوية، يخلق أزمة على مستوى إعادة إنتاج السلطة في البلد، ويجعل منطق الأزمة في لبنان أقوى من منطق الحوار والانفراج.. والمشكلة التي لا يوجد حل لها، هي أنه بغياب وجود محاور للحزب في الداخل، يصبح الحل الممكن للأزمة هو قيام الخارج بحوار مع الحزب لحل أزمة الداخل.. وحلول الخارج لا تؤدي إلى استقرار بل إلى هدنة ينتهي مفعولها مع انتهاء الظرف الخارجي الذي حتم حوار الخارج مع حزب الله مباشرة أو بطريقة ملتوية…