الهديل

خاص الهديل: “دبلوماسية الزلازل”.. أو دبلوماسية محاولة إظهار مفاتن “دراكولا”!

خاص الهديل:

اضطرت وزارة الخارجية الأميركية أمس لإصدار بيان يقول أن المساعدات الإنسانية إلى سورية للتصدي لتداعيات الزلزال فيها، لا تقع ضمن مندرجات العقوبات الأميركية عليها.. وأكثر من ذلك عرضت واشنطن إرسال مساعدات إنسانية إلى سورية.

..طبعاً ليس الجانب الإنساني هو السبب الأساس الذي دفع واشنطن لإعلان موقفها هذا، ذلك أن مقومات الدبلوماسية لدى الدول الكبرى، تتكون من طريق يتم شقه بمعاول المصالح الصرفة، وليس بالإستجابة للمشاعر.. ولكن أحياناً تجد الدول الكبرى أن مصالحها تمر في لحظة إحراج عالمية، وخوفاً من أن تقع في شر أعمالها الشرسة لحماية مصالحها، فإنها تلجأ إلى ممارسة شيء مما يسمونه “دبلوماسية المكياج” المؤقتة؛ ومفادها التصرف على نحو يحاول إظهار مفاتن “دراكولا”..

..وكانت دمشق على مدار اليومين اللذين تلا كارثة الزلزال، أصدرت أكثر من بيان تعلن فيه أن العقوبات الأميركية على سورية تعيق تنفيذ عمليات إنقاذ المحتجزين بين الأنقاض.. ولا شك أن كلام دمشق هذا المؤلف من حبر وورق كان له وقع انفجارات صواريخ عابرة للقارات من منظار الخارجية الأميركية.. 

وخلال الساعات الـ٧٢ الأولى بعد الكارثة، بدا بوضوح أن الزلزال في سورية هو كارثة إنسانية تتعاظم بتأثيراتها على دمشق، بمقابل أن تداعيات هذا الزلزال بدأت تتحول في نفس الوقت إلى كارثة دبلوماسية على واشنطن؛ وهذا ما يفسر لماذا سارعت خارجيتها لإصدار بيان يعلن فك العقوبات عن الجزء المتعلق بالاستجابة العالمية لحاجات الجزء “المتزلزل” من سورية.

كما أن الزلزال في تركيا لم يؤد فقط إلى حرف بلاد العثمانيين عدة أمتار عن موقعها الجيوجولوجي التاريخي، بل أدى أيضاً إلى الدفع بالمعارضة آلاف الأميال الضوئية بإتجاه أن تستقر في حضن أردوغان. وتتخذ المعارضة هذا الموقف الصعب عليها، كي تؤكد لكتلة المشاعر الشعبية التركية الملتهبة في هذه اللحظات أنها كمعارضة لا تشعر فقط بالحاجة للوحدة الوطنية؛ بل هي تستجيب لهذه الحاجة التي بواسطتها فقط تستطيع تركيا تخفيف آلامها..

ويدرك أردوغان ان الزلزال دفع بحزب التنمية والعدالة إلى داخل حلبة اختبار قاسي عشية الانتخابات التركية العامة. 

..وحتى هذه اللحظة لا يزال غير معروف كيف ستؤثر تداعيات الزلزال على مسار الانتخابات التركية؛ ولكن الأكيد أن الزلزال بنتائجه الكارثية سيكون الناخب الأكبر يوم عقد الانتخابات وسيشكل المناخ الحاد للناخب التركي، ولذلك بدأت أحزاب تركيا الكبيرة تكيف مواقفها السياسية مع مشاعر الناخب الباحث في لحظة تعويضه عن الكارثة.. 

وهذا ما يفسر كيف بدل الزلزال موقع تموضع المعارضة بمقابل أردوغان كما بدل كل موقع تركيا الجغرافي، وكيف ان أردوغان يبحث عن منطقة آمنة من عصف الترددات السياسية للزلزال، كي يقف فوقها، ويدير منها عملية بلسمة جرح البلد من تداعيات الزلزال، وبنفس الوقت ليدير منها حملته الانتخابية وسط مناخ ناخبين عاصف ومتوتر وناقم. ..

إن تداعيات زلزال تركيا وسورية، سيحتم حدوث ترددات سياسية تنتج عنه، وذلك أقله على ثلاثة محاور دولية كبيرة: 

المحور الأول يتصل باضطرار إدارة بايدن لمراجعة عقوباتها على سورية، وأيضاً قد يجعل المجتمع الدولي- وخاصة الغرب منه – يعيد مراجعة موقفه لصالح تسريع إعادة الأعمار في سورية، واعادة النازحين.

المحور الثاني يتصل بتنشيط العلاقات البينية العربية للانفتاح على سورية والتعاضد لحل أزمتها، وذلك من خلال ربط قاطرة توحيد الأمن العربي بقطار دبلوماسية إغاثة سورية من تداعيات كارثة الزلزال عليها.

المحور الثالث يتعلق بنتائج الزلزال على انتخابات تركيا العامة، واتصالاً على سياسة تركيا الإقليمية في مرحلة ستتسم بخصائص خروجها من عنق الكارثة المؤسفة.

Exit mobile version