خاص الهديل:
تنقسم القوى السياسية في لبنان بين فريقين أو رأيين ووجهتي نظر:
أصحاب الرأي الأول يقولون أن الاستحقاق الرئاسي داخلي ولبناني بامتياز، وأمس قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الحل يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية الذي هو استحقاق داخلي وليس خارجياً.
الرأي الثاني يقول أصحابه بأن الحل على مستوى انتخاب فخامة الرئيس، وأيضاً بشأن كل تفاصيل الحل العام في لبنان، هو خارجي. وينتظر انفراجات خارجية على مستوى مؤتمر جنيف بين طهران وواشنطن، وعلى مستوى الحوار بين الرياض وطهران وبين الدول الخمسة التي انتظر اللبنانيون يوم الأثنين الماضي ماذا سيفعلون في اجتماع باريس الذي عُقد فعلاً على مستوى مدراء، ولكنه لم يؤد إلى نتائج..
يشبه هذا النقاش بين أصحاب وجهتي النظر هاتين، النقاشات التي تنتمي لمذهب السفسطائيين الذين يتلطون وراء المراوغة لصرف الوقت من دون الوصول إلى نتيجة ترتجى.
وواقع الحال يقول أنه لا القائلين كل يوم أن حل إنهاء الشغور الرئاسي، هو “حل داخلي” ويحتاج إلى حوار وطني مخلص، هم يمارسون موجبات الحوار المخلص لإنتاج الحل الداخلي، ولا الذين يقولون أن الحل الخارجي ويجب مراعاة شروطه، هم لديهم القدرة أو الرغبة بتلبية شروط الإصلاحات التي يقول الخارج أنه لن يساعد قبل أن يقوم اللبنانيون بتنفيذها.
..وهكذا تتحول الأحزاب اللبنانية بمناسبة أزمة انتخاب فخامة الرئيس إلى حزبين يمارسان السجال السفسطائي، وهما “حزب الحل الداخلي” لانتخاب فخامة الرئيس و”حزب الحل الخارجي” لانتخاب فخامة الرئيس؛ وهذان الحزبان السفسطائيين، يكرران قصة الخلاف الغريب – العجيب الذي وقع سابقاً على انتقاء أيام العطلة الأسبوعية في لبنان؛ حيث غرق السياسيون حينها في نقاش شعبوي سفسطائي طائفي، ما جعل لبنان منقسماً عامودياً بين حزبين هما “حزب يوم الجمعة” و”حزب يوم الأحد”!!
إن الفكرة الأساسية مما حدث سابقاً بخصوص نشوء حزبي “يوم الأحد” و”يوم الجمعة”، وحالياً حزبي الحل الداخلي والحل الخارجي، هي أن أحزاب لبنان تتفاعل ضمن مناخين لا ثالث لهما، وهما مناخ الرخاء حيث تمارس مهمة مخاصصة بقرة الدولة الحلوبة، ومناخ الأزمات حيث تمارس مهمة أخذ البلد إلى متاهة السجال السفسطائي الذي يصرف “الوقت ويبدده سداً” بدل أن ينتج “وقت الحل” ويثمره إيجابياً..
والواقع أن أتباع حزب “الحل الداخلي” يستمرون بتبديد الوقت عبر استمرارهم بترديد شعارهم، رغم أنهم عملياً وصلوا في إثبات صحة نظريتهم إلى طريق مسدود بدليل أن مجلس النواب تحول من جهة إلى “أوتيل صح النوم” يقيم فيه نواب معترضون، وتحول من جهة ثانية، وبأحسن أحواله، إلى مصنع لتدوير جلسات عدم انتخاب فخامة الرئيس؛ علماً أنه حتى هذه الجلسات العدمية لم يعد هناك قدرة على الاستمرار بها.. وهذا يعني أنه حتى الديموقراطية الشكلية التي تنتج الحل الداخلي تعطلت..
.. وبالمقابل فإن أتباع مذهب صرف الوقت عن طريق القول بالحل الخارجي، تابعوا يوم الأثنين الماضي بشكل مباشر، كيف أن الرسالة الأهم التي طيرها لقاء باريس الخماسي الدولي من أجل لبنان، تقول أن الحل الخارجي غير موجود، وأقله غير ناضج بعد، ولم ينضج في المدى المنظور.