الهديل

المطران معوض: انتخاب رئيس للجمهورية خطوة أساسية للحلّ

ترأس راعي أبرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، قداسا احتفاليا في كاتدرائية مار مارون في كسارة، عاونه فيه الاباء المونسنيور عبده الخوري، جوزف نخلة، ايلي صادر وشربل نبهان، بحضور المطران بولس يوستينيوس سفر وممثلي المطرانين ابراهيم ابراهيم وانطونيوس الصوري الارشمندريت نقولا حكيم وارميا عزام  ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات.

حضر القداس وزراء ونواب حاليون وسابقون، النائب العام الاستئنافي في البقاع، قضاة،  رؤساء بلديات ومخاتير، ممثلو الادارات العامة في البقاع والاحزاب والهيئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاعلامية وحشد من المؤمنين، وخدمت القداس جوقة نسروتو الاناشيد.

وخلال القداس ألقى معوض عظة جاء فيها: “عاش القديس مارون بين القرنين الرابع والخامس، وتوفي حوالي 410. كان ناسكا، متجردا عن هذه الدنيا، مكرسا نفسه لله، فجعله منارة تهدي كثيرين الى طريق الحياة. نسأل شفاعته من أجل لبنان والعالم، وخصوصا من أجل ضحايا زلزال سوريا وتركيا، طالبين من الله الرحمة للموتى، والشفاء للجرحى، والخلاص للمفقودين والمنكوبين، ونحيي تحية تقدير كل المشتركين في الاغاثة. اتخذ الموارنة مار مارون شفيعا لهم بصورة خاصة. وشهدوا في مسيرتهم عبر التاريخ، أوقات استقرار وازدهار، ولكنهم احتملوا أيضا المعاناة التي نتوقف عند أهم محطاتها، لنعتبر من التاريخ كيف تخطوها. ‎فمنذ نشأتهم، واجه الموارنة صراعات أليمة، بين القرنين الخامس والثامن، نتيجة الاختلافات اللاهوتية. وفي القرن السابع، هاجر قسم كبير منهم من سوريا الى لبنان، طلبا للحرية والاستقرار. وفي عصر المماليك، عانى الموارنة من حملات محلية أدت الى نهب قرى وتدميرها، وأسر أهلها، في سنوات 1282، و1300، و1305. وسنة 1367 استشهد بطريركهم حجولا. فلجأ قسم منهم الى أماكن أكثر أمانا، وهاجر قسم منهم الى قبرص”.

أضاف: “‎وفي العهد العثماني الذي بدأ سنة 1516، حدث أن كانت الضرائب ثقيلة، وكانت تجبى أحيانا من قبل أصحاب النفوذ بقساوة واذلال. فتوجه البطريرك موسى العكاري (1524-1567)، بواسطة موفد من قبله الى السلطان العثماني، طالبا رفع الظلم عن المؤمنين والمحافظة على استقلال داخلي، فكان له ما أراد، ولو الى حين. وكانت الكنيسة، بقوة الموقف وكلمة الضمير، تندد بالأفعال التعسفية التي كانت تصدر من بعض الحكام، وهذا ما حدا بالبطريرك يوسف التيان الى الاستقالة سنة 1808، استنكارا على هذه الأفعال، ولتجنيب الشعب أي ردة فعل انتقامية على مواقفه. توفي سنة 1820، وجسده المحفوظ في دير قنوبين لم يبل حتى اليوم”.

وتابع: ‎”وحفل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في أيام البطريرك يوسف مسعد (1854-1890)، بصراعات دامية، وثورة الفلاحين، وثورة يوسف بك كرم ضد المتصرفية. ولكن البطريرك ظل رسول سلام في مساعيه للحد من العنف، ولبلسمة الجراح، والمطالبة بالمطالب الوطنية الحقة التي تؤثر على المتصرفية الحكم اللبناني الأصيل. وفي الحرب العالمية الأولى، وخصوصا في السنتين 1915 و1916، اشتدت المعاناة في لبنان، فصودرت وسائل النقل من الدواب، وعلت الضرائب، وغلت الأسعار، وضرب الحصار البحري والبري، وغزا الجراد، وجاع الناس، وانهار الاقتصاد، ونفيت شخصيات الى الأناضول وفلسطين، وأعدم مسيحيون ومسلمون، أرادوا وطنا حرا، بأحكام عرفية. واحتمل لبنان بكل مكوناته معاناة الحرب المشؤومة التي اندلعت سنة 1975، وما جرته من دمار واقتتال وتهجير. يدل الاختبار على ممر العصور، الى ان الموارنة استطاعوا ان يصمدوا في وجه المعاناة بفضل ايمانهم بالله، واتحادهم في ما بينهم، والتفافهم حول رأسهم البطريرك، وبفضل عدم يأسهم، والابقاء على شعلة الرجاء بمستقبل أفضل مضطرمة، وبفضل توقهم الدائم الى الحرية والاستقلال، وانفتاحهم على شركائهم في الوطن، وانفتاحهم على التعاون مع الخارج”.

وأردف: “اليوم يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، فكم من العائلات تحتاج الى طعام، ودواء، واستشفاء، ووسائل العيش العادية كالكهرباء والماء. والودائع في البنوك مجهولة المصير، والتفلت النقدي بلا قيود، والأسعار تتابع ارتفاعها. وما يثير الصدمة فوق كل ذلك، ان الأزمة تخطت سنتها الثالثة وحتى الآن لم تقم السلطة السياسية بأي تدبير للجمها. فالأزمة تتفاقم، وتصطاد القطاع تلو الآخر، ولاسيما التربوي والاستشفائي. فهل باستطاعة السلطة السياسية وخصوصا من يديرونها من مختلف الطوائف ان يتحسسوا بآلام المواطنين وحاجاتهم. أما كانوا تحركوا وابتكروا حلولا للأزمة لو انها أصابتهم او لو كانت ودائعهم في خطر؟‎ان هذه الأزمة هي سياسية وأخلاقية. فالمحللون السياسيون والاقتصاديون يجمعون على ان الحلول موجودة، ولكن لا ارادة سياسية على تنفيذها، علما أنها، أي الحلول، تحتاج الى عمل متكامل بين مؤسسات الدولة، ولاسيما عبر سن قوانين في المجلس النيابي، واتخاذ اجراءات في الحكومة واداراتها، وتحقيق في القضاء. وفي هذا السياق نتساءل اين هي خطة الاصلاح؟ متى تعلن بكل بنودها؟ ومتى تطبق؟ ‎ولا بد في هذه الأوضاع من شكر الأشخاص والمؤسسات في داخل لبنان ومن خارجه، الذين يقدمون المساعدة للأفراد والعائلات والمؤسسات، من أجل توفير ضرورات العيش”.

وختم: “الخطوة الأساسية للحل هي انتخاب رئيس للجمهورية. والرئيس لا ينظر اليه كمجرد حل لأزمة اقتصادية، بل ليكتمل به عقد المؤسسات الدستورية وعملها. ويقتضي الانتخاب ان يتطابق مع الدستور نصا وروحا. فالنص هو نص الدستور ولاسيما المادة 49، والروح هو روح الميثاق الوطني الذي يؤسس لشرعية السلطة وفقا لما ورد في مقدمة الدستور في حرف ي أن: “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”،انتهى الاقتباس. وهذا الميثاق يفترض التشارك الفعلي في الحكم. وفي لبنان توجد شخصيات كثيرة باستطاعتها ان تجسد متطلبات الميثاق الوطني. ولكن، لكي يتم الاسراع في انتخاب رئيس، نحتاج الى التخلي عن المصالح الفئوية، وتجديد الانخراط في الهوية اللبنانية التي تجعل من خير لبنان وحده الحكم في كل استحقاق.اننا نكل أمرنا الى الله راجين منه ان يخلصنا بعنايته، ويعيد الى لبنان، بشفاعة مار مارون، الاستقرار وهناء العيش”.

وبعد القداس استقبل معوض مع الاساقفة والنواب المهنئين في صالون المطرانية.

Exit mobile version