الهديل

خاص الهديل: سباق في المنطقة بين منطق “عقاب الطبيعة” ومنطق “العقوبات الأميركية”!!

خاص الهديل:

إن من بين النتائج الهامة التي سيتركها زلزالا سورية وتركيا، هي أن المنطقة ستبقى لوقت غير قصير، تتفاعل داخل مربع التعاون الإنساني الإقليمي والعالمي، وضمن اعتبار ضرورة تغليب العامل الإنساني على التنابذ السياسي. 

..وأول من أمس، قالت منظمة الصحة العالمية أنه بعد كارثتي زلزالي سورية وتركيا ينبغي على العالم نبذ الخلافات السياسية لمصلحة فتح صفحة أضخم تعاون إنساني بين دوله، لمواجهة نتائج كارثة الزلازل. وأمس قالت أنه ينبغي رفع الحصار الإقتصادي عن سورية. ونفس المواقف تقريباً صدرت عن الأمم المتحدة وممثليها. بينما باريس أرسلت ١٢ مليون يورو لمساعدة الشعب السوري؛ فيما واشنطن أعلنت أنها مستعدة لمساعدة سورية؛ في حين أن الرئيس السوري بشار الأسد تلقى اتصالات هاتفية من زعماء عرب، واستقبلت سورية مساعدات عربية رسمية وشعبية؛ وفي أحد مطارات تركيا شوهدت طائرة المساعدات الإيرانية تحط إلى جانب طائرة المساعدات الإسرائيلية.

..ورغم نداءات ومشاهد التآلف العالمي والإقليمي هذه، إلا أن مشاهد الصراع ظلت تحافظ على وجودها كثقوب سوداء في ثوب التعاضد العالمي الإنساني. وتمظهر مشهد استمرار الصراع رغم ظرف الكارثة؛ بالصراع بين “قسد” وبين دمشق، حيث رفضت الأولى فتح طريق لتمرير مساعدات إنسانية إلى المناطق المنكوبة والتي يسيطر عليها النظام. واللافت هو أن الاتحاد الأوروبي أيد إجراء “قسد”(!!)، وردد نفس ذريعتها حينما قال أنه سبق للنظام في سورية أن سرق المساعدات الإنسانية لشعبه(!!). 

.. ويلاحظ بالمقابل أيضاً أن الخارجية الأميركية بدأت تنظم هجوماً دبلوماسياً مضاداً؛ حيث انتقلت من استيعاب الدعوة العالمية لها لرفع العقوبات عن سورية المنكوبة بالزلزال، إلى مطالبة النظام السوري بفتح كل المعابر لدخول المساعدات الإنسانية إلى كل فئات الشعب السوري. وبالعمق بدأت أيضاً باريس التي لديها موقف متشدد من النظام السوري، تؤسس لشن هجوم إنساني دبلوماسي مضاد على النظام، حيث تقصّد بيان الدولة الفرنسية القول أن تبرعاتها موجهة للشعب السوري، أي ليس للدولة السورية التي تقاطعها باريس. 

إن هذه المواقف تؤشر الى أمر أساسي، وهو أن الصراع يستمر حتى فوق ركام الزلازل؛ وذلك لأن العالم يعيش سياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً، تطبيقات نظريات ميكافيلي التي لا تعطي أهمية للمعايير الأخلاقية في ممارسة السياسة. 

..على أنه، وبنفس الحدة الصادمة، فإن العالم بعد زلزالي سورية وتركيا لن يكون بإمكانه تجاهل أنه يقف على عتبة الدخول إلى “عصر التوجس” من كونه بدأ يواجه ما يمكن تسميته بعصر “عقاب الطبيعة” الذي من أبرز سماته أن البشرية لا تملك في ظله، دفاعات أكيدة ضد تحدياته المدمرة.. فخلال الأعوام القليلة الماضية شهدت البشرية أسوأ وباء منذ منتصف القرن الماضي؛ أي وباء كورونا الذي أودى بحياة الملايين من البشر. والذي جعل العالم لفترة غير قصيرة يقف مربكاً تجاه كيفية حماية الأمن الصحي؛ وتجاه كيفية مكافحة هذا الفيروس الذي أقفل أكبر اقتصاديات العالم، وجعل القطاع الصحي العالمي أوهن من بيت العنكبوت، وحول المسكونة الى بؤرة عدوى فيروسية، ما فرض قطع الصلات والتفاعل بين مكوناتها حتى على مستوى العائلة. 

..والواقع أن العبرة التي تركها درس كورونا وراءه، تفيد بأن التطور البشري لا يزال عاجزاً أمام تحديات طبيعية تظهر تارة على شكل فيروسات غير مقدور عليها طبياً، وتظهر تارة أخرى، كما هو الحال حالياً، على شكل عوامل طبيعية تجعل أسفل الأرض يعلن حربه المدمرة على سطحها الذي يعيش فوقه الإنسان.. 

..وكما أن فيروس كورونا لا يمكن احتساب وقت ظهوره، فإن الزلازل لا يمكن معرفة وقت تفجره.. وعليه فإن الخيار المتاح للبشرية، هو العيش مع الخطر غير المقدور على مواجهته، ولا حتى أقله على التحسب منه من خلال معرفة متى يظهر. 

وإذا كان “فوكو” هو آخر من نظر لمفهوم السلطة في السياسة، وتكلم عن أنها لم تعد محتكرة من فضاء واحد؛ فإن كوارث الطبيعية الفيروسية والجيوجولوجية، تؤكد بالعام وليس بالتحديد. ما ذهب إليه فوكو بخصوص فكرة أن العالم لم يعد يمكنه أن يعيش ويمارس السياسة والسلطة ضمن فضاء وقطب واحد، وحتى لو كان أميركا، بل بات قيادة العالم تحتاج لفضاءات متعددة ومتداخلة لأن السياسة أصبحت مضطرة لأن تكون مفهوماً متكاملاً بالنظر لكون تحديات الكوارث تتفاعل ضمن مفهوم متكامل؛ بدليل أنها تترك آثاراً عالمية ونتائج متصلة، كعدوى كورونا الجماعية وكفوالق التصدعات المتصلة من ناحية، وذات الصلة من ناحية ثانية بأفعال بشرية منفصلة (سدود المياه). 

قصارى القول أن خيار فرض العقوبات من حانب واحد الذي تعاظم مؤخراً في السياسة الأميركية. يواجه في هذه المرحلة “منطق الكوارث الطبيعية” أو ما يعرف “بعقاب الطبيعة” الجماعي الذي بدأ بكورونا ويتصل اليوم مع زلزالي سورية وتركيا، وهذا المنطق الأخير (عقاب الطبيعة) يقول أمراً أساسياً، مفاده أن من يستطع ممارسة العقوبات المؤثرة على البشرية هو فقط “جنرال عقاب الطبيعة”، أما البشرية بما فيها “جنرال أميركا العظمى”، فعليها أن تتعاضد داخل مشروع المسكونة المحتاجة للتآلف فيما بينها، حتى تنجح بتخفيف آلام “عقاب الطبيعة” عنها.

Exit mobile version