الهديل

لبنان حاجة عربية ودولية

لبنان حاجة عربية ودولية

كتب عوني الكعكي:

مهما حاول العرب القول، بأنهم قادرون على الاستغناء عن لبنان، فإني أقول لهم: كلا… فكلامكم غير صحيح.. والسبب أنّ لبنان مميّز بموقعه الجغرافي، وبمناخه المعتدل، وشعبه الطيّب الذي يكرّم الضيوف ويعتبرهم أهله، وهذه ميزة غير موجودة في دول العالم قاطبة.

طبعاً سبب ذلك هو تعدّد الأديان، أي التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وهذا غير متوفر في أي بلد في العالم.

البارحة حضرت محاضرة للزميل الكبير الاستاذ محمد السمّاك عنوانها «الڤاتيكان»، يتحدث الزميل عن سرّ العلاقة بين لبنان والڤاتيكان كيف بدأت؟ يقول الزميل الكبير: الڤاتيكان وتحديداً البابا لا يعترف بـ»لبنان» بل الاعتراف فقط بالكنيسة المسيحية في لبنان وخصوصاً الموارنة. وكان ذلك لأنّ البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني هو من بولندا، وكما تعلمون انها تقع بين ألمانيا وفرنسا، وقد حضر الحرب العالمية الثانية وهو يعلم ما يعانيه شعبه، وهذا ما يشبه الى حد كبير وضع لبنان بين العدو الاسرائيلي وبين شقيقه العربي السوري… من هنا جاءت الفكرة بأنّ الڤاتيكان يجب أن ينفتح على الإسلام.

ويروي السمّاك كيف بدأت الرحلة فيقول (هذا النص الحرفي):

«أعلن المجمّع الڤاتيكاني الثاني عام 1965 ان الكنيسة تنظر بتقدير الى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحيّ القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والارض، وصحيح ان المسلمين لا يعترفون بالمسيح إلهاً، ألاّ أنهم يكرّمونه نبياً، ويكرّمون أمه العذراء مريم، مبتهلين إليهما أحياناً بإيمان. ثم انهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي فيه الله جميع الناس بعدما يبعثهم أحياء… ومن أجل هذا يقدّرون الحياة الأبدية، ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم».

وبهذا الموقف أصبح للبنان في الحسابات الڤاتيكانية دور استثنائي لتصحيح علاقات الڤاتيكان مع العالم العربي، وامتداداً مع العالم الاسلامي. ذلك انه بموجب التآلف الاسلامي – المسيحي القائم يستطيع لبنان أن ينقل الى العرب وإلى المسلمين الموقف الڤاتيكاني الجديد المنفتح على الاسلام والمسلمين.

غير انه من سوء الحظ، ان لبنان لم يكن يستوعب دوره الرسالي الجديد حتى دخل في دوّامة الصراعات الداخلية، لكن الڤاتيكان لم يفقد الأمل، وبقي لبنان في ضمير البابوات الذين تعاقبوا على السدّة البابوية منذ ذلك الوقت حتى اليوم، علماً بأنّ البابا فرنسيس شعر بالألم بسبب تعثر محاولات زيارته للبنان.. رغم انه زار العديد من الدول العربية الأخرى.

لقد كانت الحرب الداخلية في لبنان متفجرة… ولا أنسى سؤالاً وجّهه البابا إليّ: ما تفعلون بلبنان؟ فأجبته: وماذا تفعلون يا سيدي أنتم من أجله؟

انفجر وجه البابا بالاحمرار وقال لي: سترى ماذا سنفعل من أجله. اما الآن فالوقت لا يسمح. وما فعلته الكنيسة لاحقاً:

أولاً: عام 1993 دعا البابا الى السينودس حول لبنان، كما دعا لأوّل مرة في تاريخ الكنيسة ممثلين عن المذاهب الاسلامية الثلاثة: السنّة والشيعة والدروز للاشتراك وليس لمجرّد الحضور.

ثانياً: إضافة الى التنوّع في لبنان وهو سبب حبّ البابا له، كذلك فإنّ المعاناة اللبنانية كانت سبب عطفه وحنانه عليه. وكانت تلك مشاعر صادقة، لأنّ المعاناة اللبنانية تتماهى أيضاً مع معاناة بولندا التي تحوّلت الى سندويش يتقاسمه الروس والألمان، وكما تحوّل لبنان الى سندويش التهمته اسرائيل وسوريا. ثم لأنّ بولندا خسرت في الحرب العالمية الثانية ستة ملايين إنسان حتى من دون أن تكون طرفاً في أي معسكر. كما خسر لبنان عشرات الآلاف من الضحايا في حروب الآخرين في أرضه وعلى أرضه.

ثالثاً: ما حدث اثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للفيليبين عام 1981 يومذاك قال: إنني أتوجه إليكم كإخوة، وأنا أعني ما أقول، لأن ذلك هو ما نحن عليه. فنحن إخوة في الله.

رابعاً: لقد عكست وثيقة الارشاد الرسولي رجاءً جديداً للبنان، وبأهمية دوره الحواري الاسلامي – المسيحي.

وهنا أذكر بعض ما حدث لتطوير العلاقات المسيحية – الاسلامية بدعم من البابا:

أ- طلب بعض المسلمين بناء مسجد في روما… فنقل محافظ روما الطلب للبابا، الذي أجابه بأنّ على الحكومة الايطالية دفع كلفة الأرض، وكلفة بناء المسجد.

ب- لقد عمد البابا في الڤاتيكان الى وضع صورة القديس مار مارون مع القديسين، تقديراً للبنان ومحبته له.

ج- عندما زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان في العاشر والحادي عشر من أيار عام 1997 لتسليم الارشاد الرسولي «رجاء جديد من أجل لبنان».

أراد المرحوم الرئيس الياس الهراوي إقامة عشاء على شرفه فدعا الزعماء المسيحيين والمسلمين. وبما انه من المفروض ان يُقدّم مشروب في العشاء… وهذا مستحيل بوجود المسلمين… وجد الرئيس الهراوي الحل بأن يقام حفل استقبال قبل العشاء لا يقدّم فيه أي مشروب، وفي العشاء يقدّم المشروب، فإذا أراد المسلمون عدم الحضور انسحبوا.

د- عند صياغة البيانات الصادرة عن الڤاتيكان كان المكلفون لصياغة البيانات هم:

– المطران خضر

– بشارة الراعي (كان مطراناً)

– ومحمد السمّاك.

ولكن يبدو ان هناك مشروعاً للقضاء على البنوك اللبنانية، والهدف الحقيقي هو شراء هذه البنوك التي لديها 200 مليار دولار ودائع والتي تشبه البنوك السعودية، إذ ان البنوك السعودية تحتوي على ودائع بـ200 مليار دولار، وهذا يؤكد على ان موقع لبنان المالي كان مهماً جداً، والمؤامرة هي القضاء على هذا القطاع وإنشاء قطاع جديد أي خمسة بنوك برأسمال 5 مليارات من الدولارات… والخطة فشلت لأنّ حاكم مصرف لبنان الذي تسلم هذا القطاع عام 1993 وكانت مدخرات البنوك 4 مليارات كودائع وبحكمته وخططه وثقة العالم به استطاع أن يحقق الوصول الى 200 مليار، وهذا إنجاز تاريخي.

هنا أيضاً لا بد من الاعتراف، بالرغم من كل الحملة الظالمة على البنوك وأصحابها، أنهم استطاعوا إسقاط المؤامرة بتعاونهم واستجابتهم لقرارات الحاكم.

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version