خاص الهديل
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
الفكرة الموجودة حالياً داخل قناعات لبنانيين كثيرين، هي أن انتخاب فخامة الرئيس امر مطلوب؛ ولكن بنفس الوقت فإن انتخابه لا يغير الكثير في وضع البلد، كما أن عدم انتخابه لا يتسبب بكارثة على البلد.
وهذه الفكرة بدأت تصبح قناعة لدى اللبنانيين نتيجة عدة أسباب، أهمها تكرار حالة الشغور الرئاسي في لبنان مرة بعد مرة، حتى أصبحت هذه الحالة أمراً طبيعياً داخل الحياة السياسية اللبنانية.. فبعد نهاية ولاية الرئيس اميل لحود، ومن ثم بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، واليوم بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، يتكرر مشهد شغور قصر بعبدا لفترة طويلة من رئيس الجمهورية، ومع كل مرة تتكرر فيها حالة الشغور الرئاسي، يتم الاعتياد أكثر على فكرة أن البلد يستطيع أن ينتظر تأخر انتخاب فخامة الرئيس؛ وحتى أنه يستطيع ان يتدبر أموره من دون وجوده..
..والأخطر أن هذا الوضع من التكيف مع فكرة الشغور الرئاسي يحدث وسط صمت دولي من جهة، وغياب صوت مسيحي واع لخطورة اعتياد الداخل والخارج على الشغور الرئاسي، من جهة ثانية.
والواقع أن جوهر الأمر هنا يتعلق بفكرة “الاعتياد”، حيث أنه في السياسة، كما في الحياة العادية، وكما في العلاقات الإنسانية، فإن “الاعتياد” هو أحد قوانين الطبيعة الذي يؤدي إلى التكيف، وإلى جعل الفرد والمجتمع يتعامل مع الظواهر التي تبدأ غريبة على أنها طبيعية مع تكررها..
وصار واضحاً أن تكرر حصول الشغور الرئاسي في كل مرة تنتهي فيها ولاية عهد رئيس جمهورية، قاد إلى بلورة نظرة أصبحت موجودة داخل لبنان وخارجه، تفيد بأن كل موقع “فخامة الرئيس” داخل نظام الحكم في لبنان، لم يعد مهماً، أو لم يعد له شأن يعتد به، وأن الطائف جوهرياً لم ينقل فقط صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، بل نقل رئاسة الجمهورية بذاتها إلى مجلس الوزراء، سواء كان في حالة أنه حكومة أصيلة أو في حالة أنه حكومة تصريف الأعمال…
ولا شك أن هذه الصورة عن علاقة الطائف بموقع رئاسة الجمهورية هي صورة خاطئة، ولا تعكس حقيقة الطائف.. ولكن ما يحصل هو أن البلد اعتاد أيضاً على ممارسة الاستنسابية في تطبيق ما يريد السياسيون تطبيقه من دستور الطائف؛ فأصبح هذا الدستور بثلاثة أرباعه، دستوراً يعاني أيضاً من “الشغور” في العديد من منازل بنوده.
وبالمحصلة فإن حالة الشغور الرئاسي لم تعد وضعاً سياسياً طارئاً، بقدر ما أنها بدأت تتطور داخل تفكير المواطن اللبناني لتصبح الآن موجودة على شكل سؤال يشكك بأهمية ليس فقط انتخاب الرئيس الأول، بل بأهمية كل موقع رئاسة الجمهورية..
وما تريد هذه السطور التركيز عليه هنا هو أمران: الأول أن تكرار حالات الشغور الرئاسي أعطى انطباعاً بأن انتخابات رئاسة الجمهورية يمكنها أن تنتظر، وكأن هذا الاستحقاق هامشياً..
والثاني هو أنه مع تكرار حالات الشغور الرئاسي ولّد انطباعاً شعبياً يفيد بأن كل موقع رئاسة الجمهورية، وليس فقط عملية انتخابه، لم يعد أمراً مهماً!!
والأمر الثالث هو استدراكي ومفاده أن هذه التساؤلات الآنفة تقود إلى طرح سؤال بذات الخطورة، وهو هل لا يزال العالم الغربي والعربي يعطي ذات الأهمية لرئيس الجمهورية في لبنان، وذلك انطلاقاً من كون أنه الرئيس المسيحي الوحيد في كل منطقة الشرق الأوسط؟؟