الهديل

دمشق-أنقرة على خط الزلزال

بقلم: ساطع نور الدين 

كأن الطبيعة أرادت أن تشارك على طريقتها الفظة، في الجدل الدائر حول الصلات والاقدار التي تربط سوريا وتركيا، وتهز كيان البلدين، وتعبث بالحدود الدولية المعترف بها، وتعمق الهوّات الاجتماعية، التي جاء زلزال الاناضول الاخير لكي يزيدها عمقاً وتعقيداً.. لا سيما وأنه كان بالفعل أقوى من طاقة البلدين والشعبين على الاحتمال، وعلى التعامل مع هذا الرقم القياسي من الضحايا، الاتراك والسوريين.

 

واذا كان الزلزال المدمّر قد علّق الحديث عن التطبيع بين السلطتين الحاكمتين في كل من أنقرة ودمشق، فهو لم يستخدم كحجة موضوعية جديدة للتقارب، ولم يطرح في سوق المساومة او المزايدة في حجم الخسائر البشرية والاضرار المادية. ولم يتم الاعتراف في العاصمتين بان الزلزال كان عابراً للحدود “المصطنعة”، يتجاوز صراعات الأمن والسياسة، ويرفع البعد الانساني الى المرتبة الاولى.. مثلما لم يتم الاشتباه من جهة بأن مصدر الزلزال مثلا هو وجود ثلاثة ملايين لاجىء سوري على الاراضي التركية، أو أن سببه هو تهجير هذا العدد الكبير من السوريين من الاراضي السورية.

 

سادت فترة صمت، فرضتها حقيقة ان الحكومة التركية فوجئت بآثار الزلزال، وتعثرت في مواجهته في الايام الاولى، قبل ان تنظم إدارتها للكارثة، وتبدأ في البحث المتأخر عن عنوان سوري، سواء من المعارضة او النظام، للتواصل معه، على الاقل لتنظيم عمليات نقل الجثث عبر الحدود، وعبور المساعدات الدولية..وهو عنوان يمكن أن ينحصر، سواء في سوريا الموالية او المعارضة، بهيئات المجتمع المدني الصحية والاجتماعية وفي مقدمتها الخوذ البيضاء.برغم حاجتها الماسة الى الامكانات الضرورية للبحث عن الناجين ومعالجة المصابين.

 

على خطوط التماس الداخلية السورية، كان المشهد مؤلماً، الى حد ينذر بتفاقم الكارثة وربما يهدد بمواجهات مسلحة جديدة، لا سيما وان رعاة النظام، الروس والايرانيين، تعاملوا مع الزلزال بالحد الادنى من الاهتمام والعناية والرعاية لمناطقه، مثلما تعاملت تركيا، ولاسباب موضوعية لا لبس فيها، مع المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة السورية الحليفة لها، وسعت قدر الامكان الى التخفف من عبء إغاثتها، بما يوازي سعي النظام للتنصل من أعباء مناطقه، وإلقاء مسؤوليتها على العقوبات وعلى تباطوء مسارات التطبيع العربي والدولي معه. وهو ما يمكن فهمه وتبريره، طالما أنه لم يكن في الحسبان خروج أي من الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الاسد الى العلن في نداء للصلح وطي صفحة الماضي..

 

لم يقرّب الزلزال بين الرجلين، ولا بين البلدين ولا الشعبين.. وإن كان ثمة في دمشق وطهران وموسكو، من يتكهن بأن الكارثة الطبيعية الكبرى التي حلت بتركيا ستؤدي الى إضعاف دورها السوري والاقليمي، وربما الى اسقاط رئيسها المغامر، الذي كانت آخر مغامراته السابقة للزلزال، الشروع في توفير شروط المصالحة مع الاسد، عقب الانتخابات التركية المقررة بعد نحو ثلاثة أشهر..وبناء على العروض (الخدمات) الامنية التي سيقدمها النظام لا سيما في ما يخص الوحدات التركية المقاتلة المنتشرة في الحزام الشمالي السوري المتاخم للاراضي التركية.

 

تغيرت المواعيد بين تركيا وسوريا، لكنها لم تنقطع. ما زالت هوامش الربح والخسارة تناقش بدقة في انقرة ودمشق، وإن كان يظهر أن العاصمة السورية تتوقع أن تحقق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية من الزلزال، التي تبدو وكأنها تعوض الخسائر التي لحقت بالنظام جراء صرف الانظار الايرانية والروسية عنه في الاونة الاخيرة نتيجة الحرب الاوكرانية والثورة الانثوية الايرانية..ودخول تركيا في مرحلة انتقالية، سواء على صعيد السلطة، او على صعيد عملية اعادة بناء ما دمّره الزلزال، التي يقدر الاتراك انها قد تمتد ما بين ثلاث وخمس سنوات.

 

يبقى أن زلزال الاناضول لفت الانتباه الى وجود نظام سوري، منبوذ ومكروه، كما لفت الانتباه الى عدم وجود معارضة سورية، شرعية وذات مصداقية.. كافية لنقل الجدل حول الكارثة الطبيعية الى الداخل السوري، بدل التسليم بأن المأساة أصابت فقط المنطقة الحدودية التركية السورية البعيدة عن العاصمتين، دمشق

Exit mobile version