خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
احتشدت الأحداث أمس على نحو مكثف، وجميعها كانت تعبّر عن أن الأزمة بدأت تتحول بشكل أسرع الى كارثة حقيقية. وإذا كان كل من تركيا وسوريا يعانيان من نتائج تعرضهما لزلزال مدمر، فإن لبنان شهد أمس مؤشرات تؤكد أن أحداثاً ستحصل، وسيكون لها نتائج؛ فيما لو لم يتم تداركها سياسياً واقتصادياً، تشبه تبعات حصول زلزال، ولكنه ليس، من صنع الطبيعة بل من صنع لا مسؤولية الطبقة السياسية..
وتمثلت هذه المؤشرات التي حصلت أمس، والتي هي أشبه بجرس إنذار، بالتالي:
ذكرى ١٤ آذار الخاصة بمرور ١٨ عاماً على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. والمؤشر الذي رافق هذه للذكرى الكبيرة أمس، هو عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان ليكون حاضراً بين محبي الحريري بمناسبة اغتياله. وربما كان موحياً ما جرى خلال هذه العودة من ردود فعل شعبية عفوية تعبّر عن أن الشارع السني بغياب الحريري يعيش أزمة قيادة..
ولكن كان ملفتاً أيضاً وعلى ضفة أخرى، اتصال الرئيس ميشال عون بالحريري، متمنياً عليه العودة الدائمة إلى لبنان، كون الوطن بحاجة لكل أبنائه..
والواقع أن اتصال عون كان ملفتاً بقدر ما هو مستغرب؛ حيث يمكن اعتماد هذا الاتصال، كوسيلة إيضاح تبين كيف يضيع سياسيو لبنان الفرص الثمينة. والمقصود هنا هو أنه حينما وضع الحريري إمكاناته بخدمة إنقاذ البلد وذلك في الوقت الحرج خلال نهايات عهد عون، تمنّع عون عن التعاون؛ وحينما “تبرع” حينها الحريري بمهمة تشكيل الحكومة ليخوض مغامرة الإنقاذ، رفض الرئيس عون والصهر المدلل وضع اليد بيد الحريري الذي يطلب منه عون اليوم، وبعد فوات الأوان، العودة كون البلد يحتاجه!!.
والواقع أن غياب الحريري المؤقت عن الشأن العام جاء ليعبّر عن حاجة البلد لصدمة توقظ طبقة التخصص في تضييع فرص إنقاذ البلد الثمينة، من سباتها؛ ولكن التجربة العميقة تقول أنه من العبث تكرار التجربة مع الذين جربتهم الحياة وجربهم الناس..
المؤشر الثاني تمثل أمس بزيارة ممثلين عن وفد اللقاء الخماسي في باريس الى مسؤولين لبنانيين والقول لهم أنه في حال بقيت الطبقة السياسية في لبنان مصرة على التموضع في مربع الشلل السياسي الأناني؛ فإن العالم سيقطع علاقاته ببلد الأرز..
..واللافت أن الوفد الخماسي لم يسمع من مسؤولي طوائف لبنان إلا التبريرات التي توحي بتمسكهم بمواقف الخلافات الداخلية..
..أيضاً تظهر النتائج التي خرج بها سفراء دول اللقاء الخماسي من زيارتهم أمس؛ بأن من العبث تكرار التجربة مع من جربتهم الحياة، وجربهم الناس.
المؤشر الثالث كان الخلاف الذي تفاقم أمس، على الجلسة التشريعية، وذلك بين “حزبين”؛ الأول يريد جدول أعمال الضرورة بـ٨١ بنداً، والثاني يريد تقليصه لـ١٠ بنود..
..وهذا الفرق يؤشر بالشكل إلى أمر عميق، وهو أن حجم الخلاف بين سياسي لبنان يقع بفارق يبلغ ٧١ نقطة على” مقياس ريختر المحاصصة والمناكفة” والبحث عن انتصارات شعبوية وكيدية، وهذا يؤكد أيضاً على مستوى الواقع اليومي المعاش أن من جربته الحياة وجربه الناس، لا يمكن تكرار محاولات البناء معه.
المؤشر الرابع الذي ظهر أمس هو الدولار الذي بلغ سعره الـ٧٦ ألف ليرة لبنانية، وبموازاة ذلك بلغ سعر كيلو البصل ٧٦ ألف ليرة لبنانية. والواقع أن هذه المفارقة تظهر أنه منذ أمس لم يعد سعر صرف الدولار يمثل فقط حجم انهيار الليرة اللبنانية، بل أيضاً وبالأساس، بات يمثل حجم غياب رقابة الدولة عن الوضع المعيشي، وحجم تواطئ مسؤولية الدولة على إفقار الناس. وهكذا أمس بدأ ثمن البصل الذي تمتلئ أرض لبنان به، يقدم أيضاً وأيضاً دليلاً بسيطاً، ولكنه عميق على حقيقة أن الذين جربتهم الحياة وجربهم الناس من العبث تجربتهم مرة جديدة.
المؤشر الخامس هو بدء إسرائيل تصدير الغاز من حقل قاريش، وفي لبنان تم أمس تصدير استمرار الخلافات حول كل شيء إلى مسامع العالم والى مسامع سفراء دول اللقاء الخماسي من أجل لبنان، الخ…
إن المشكلة في لبنان لم تعد أنه يوجد فيه أزمة؛ فمعظم الدول تعاني من أزمات، ولو أنها أخف وطأة من أزمة لبنان. بل المشكلة تكمن في أزمة الطبقة السياسية التي لم يعد هناك إمكانية بوجودها لحل أزمة لبنان.. فهذه الطبقة التي خاطبها اللقاء الدولي الخماسي بالمسؤولين اللبنانيين الذين عليهم تحمل مسؤولياتهم، باتت هي الداء من جهة، وهي التي تمثل واقع منع الحصول على الدواء من جهة ثانية..
أمس لم يكن فقط يوم الحب اللبناني مع رفيق الحريري الذي لا تزال الحقيقة بشأن اغتياله مغتالة، بل كان أيضاً يوم لقاء اللبنانيين مع سعد الحريري الذي جاء لـ٧٢ ساعة حتى يكون ضمير والده الوطني في وجدان كل اللبنانيين، وكان أيضاً يوم المؤشرات التي توحي بأن زلزالاً سياسياً من صنع الطبقة السياسية يوشك على ضرب لبنان على نحو أكثر قوة مما تسببت به هذه الطبقة من خراب للبنان حتى الآن..
فهل يتم استدراك الأمر قبل خراب البصرة؟؟