اشارت صحيفة “نداء الوطن” الى ان الحكومة اللبنانية حصرت عملية العودة الطوعية للنازحين السوريين إلى بلادهم بالمديرية العامة للأمن العام، بعدما رضخت للمُمانعة الدولية للعودة الكاملة، فيحاول لبنان التخفيف من ثقل النزوح على كاهله بالوسائل المتوافرة من دون استثارة غضب المجتمع الدولي. لكن يبدو أنّ عملية العودة الطوعية الأخيرة التي استأنف الأمن العام تنظيمها، في تشرين الأول من عام 2022، لن تحقّق الأهداف المرجوة لجهة عدد النازحين العائدين شهرياً، ولا يُعوّل عليها لإحداث خرق في ملف العودة، نظراً إلى العدد المحدود للنازحين الذين عادوا في القافلة الأولى، فضلاً عن العدد الخجول للذين تسجّلوا للعودة عبر الدفعة التالية.
فبحسب الأمن العام، بلغ عدد العائدين أخيراً عبر عملية العودة الطوعية الآمنة 701 نازح. وفي حين أنّ المديرية مستمرّة في تسجيل الراغبين في العودة الطوعية عبر مراكز الأمن العام الإقليمية، تسجّل حتى مطلع شباط الجاري 100 نازح فقط. ولذلك، لا موعد محدداً للدفعة الثانية في انتظار استكمال التسجيل، بحسب ما تشير مصادر الأمن العام لـ”نداء الوطن”.
الجانب اللبناني يعتبر أنّ المساعدات الدولية التي تُقدّم للنازحين السوريين في لبنان، خصوصاً من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تُشكّل العامل الأساس المُساهم في تشجيع النازحين على البقاء في لبنان بدلاً من حضّهم على العودة إلى بلادهم، خصوصاً مع توافر مناطق آمنة شاسعة في سوريا. ويظهر أنّ المساعدات «باقية» والنازحين باقون، في وقتٍ لم تدفع الأزمة المالية-الاقتصادية في لبنان، النازحين للعودة إلى بلادهم، خصوصاً أنّ هذه المساعدات وعلى رغم محدوديتها، يزداد حجمها وقيمتها لتمكين النازحين من الصمود والعيش.
وإذ تقدّم مفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، من خلال آلية مشتركة، مساعدة نقدية منتظمة ومتعدّدة الأغراض للنازحين الأكثر احتياجاً في لبنان، ويتلقى عدد من النازحين مساعدات غذائية شهرية من برنامج الأغذية العالمي، عمدت المفوضية وبرنامج الأغذية، اعتباراً من شباط 2023، إلى زيادة قيمة المساعدة النقدية المقدّمة إلى النازحين الأكثر احتياجاً. فتمّ رفع مبلغ المساعدة الغذائية من 500 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد إلى 800 ألف ليرة للفرد، مع حد أقصى بلغ 5 أشخاص للأسرة الواحدة. أمّا الجزء المتعلّق بالمواد غير الغذائية من المساعدة، أي برامج المساعدات النقدية المتعدّدة الأغراض، فقد ارتفع من مليون ليرة لبنانية إلى مليون و600 ألف ليرة لكلّ أسرة. لكن على رغم هذه الزيادة الأخيرة، تعتبر المفوضية أنّ «المبلغ لا يزال أقلّ من الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة، خصوصاً في ضوء الزيادة المستمرّة في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، ما يزيد من الضغوط التي تثقل كاهل اللاجئين وتقلّل من قدرتهم الشرائية بنحوٍ كبير».
وفي حين تعلو أصوات منتقدة عن تقاضي النازحين مساعدات بالدولار الأميركي في وقتٍ تنهار الليرة اللبنانية ولا يزال هناك لبنانيون كثر «محرومين» من الدولار ويتقاضون رواتبهم وأجورهم بالعملة المحلية، لا سيما منهم موظفو القطاع العام، قد تكون هناك منظمات إنسانية وغير حكومية تمنح مساعدات بالعملة الأجنبية للنازحين أسوةً بالفئات الأكثر حاجةً وضعفاً من اللبنانيين، إلّا أنّ المساعدات الأساسية التي يتلقّاها النازحون في لبنان والتي تساهم في بقائهم في البلد وتأمين موارد عيشهم، بدلاً من العودة إلى سوريا، هي المساعدات الممنوحة لهم من مفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي. وتوضح مصادر المفوضية لـ»نداء الوطن» أن “ثمة اعتقاداً شائعاً بأنّ اللاجئين يتلقّون مساعدات منتظمة بالدولار الأميركي، وهو اعتقاد خاطئ”، مشيرةً إلى أنّ “اللاجئين يتلقون مساعدة منتظمة بالعملة المحلية أي بالليرة اللبنانية. وعلى وجه التحديد، توزّع المفوضية المساعدات النقدية كافةً بالليرة اللبنانية”.
إلى الأثقال الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي يرخيها النزوح السوري على لبنان، يرى البعض أنّ الخطر الأكبر الذي يُشكّله النزوح هو عدم تسجيل الولادات السورية، ما يجعل المواليد من النازحين في لبنان “مكتومي القيد”. وإذ سبق أن تنبّهت مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات لهذا الخطر وعملت على معالجته بالطرق القانونية، إلّا أنّ الإقبال على تسجيل الولادات كما الإقبال على العودة الطوعية لا يرقى إلى المستوى المطلوب، إذ بحسب الأرقام الرسمية هناك نحو 196 ألف مولود سوري في لبنان، سجّل منهم 36% في دائرة وقوعات الأجانب، حتى عام 2022، علماً أنّ الولادات كلّها غير معروفة أو محدّدة.
وللوصول إلى حلّ جذري لمشكلة “مكتوي القيد” من السوريين، من المُرتقب، إطلاق خطّة لتسجيل ولادات النازحين السوريين، خلال الشهر الجاري، بالتعاون بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية والبلديات ومفوضية اللاجئين. وتعتبر مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ”هذه الخطة التنفيذية العملية الملموسة على الأرض ستكون أكبر إنجاز يتحقّق في تاريخ الدولة اللبنانية، لكي لا يبقى مواليد النازحين السوريين في لبنان مكتومي القيد وتتعذّر عودتهم إلى بلادهم”.