كتبت شيخة غانم الكبيسي
نتوارى عن أعين الناس لنخفي هواجسنا متلاعبين بالكلمات، دافنين رؤوسنا تحت غطاء العطاء والتضحية، ذواتنا منبوذة، مشاعرنا مكبوتة، مُكبلين بقناعات نسبية فرضتها ظروف وقتية، وأهداف فردية، كي لا نُتهم بالأنانية البغيضة المعنى بالوقع والمسمع.
إلى ان وصل الأمر بالبعض بالأنانية الجهرية، ظناً منهم أنها الخلاص من الواقع المرير والملاذ الآمن للأرواح التائهة بين رغباتها الخاصة ورغبات الجموع المحيطة بها.
دون إدراك لما تتضمنه تلك الصفة من خبائث تشوه الفطرة البشرية وتقلل الثقة بالذات لتهز التصالح النفسي وتعكر الرضا الداخلي في مفهوم حب الذات الذي يُعد من الصفات الأصيلة التي خُلق عليها البشر للمحافظة على ذاته من المخاطر، فهو فطرة إلهية تُمكن بني آدم من التكيف والتعايش مع الحياة وتحدياتها. كما انه تعبير عن حالة تقدير الذات التي تنمو وتتطور من خلال ممارسة الأعمال التي تدعم نمو الشخص الجسدي، والنفسي، والروحي. وفيه يتقبل الشخص نقاط ضعفه، ويتعامل مع نقاط قوته بشكل أفضل، كما أنه لا يحتاج إلى تفسير نواقصه بل يُركز على تحقيق أهدافه للوصول إلى النجاح.
إلا ان هذا التعبير ارتبط ارتباطاً قوياً بالأنانية، بسبب التشابه المجازي بالمعنى رغم اختلاف التصرفات والأفكار ومدلولات الفحوى والنوايا، فبات حب الذات سلاحا ذا حدين حين يساء فهمه ويُفتقد طوق مرساة التحكم به وتقنينه كيلا يخرج عن إطار كونه انطباعا يتبناه الانسان عن ذاته برفع استحقاقه، وشعوره بأنه يستحق الأفضل كأن يضع نفسه بالمرتبة الأولى، فكل ما يُحيط به يخدم علاقة حبه لذاته بشكل أو بآخر، فهو يرغب في كل شيء جميل ويخاف على نفسه ومشاعره من كل سوء، دون ان يطغى على حقوق الاخرين أو يؤذيهم أو حتى يتمنى لهم الشر.
في حين ان الانانية درجة أسوأ وأعلى حدة، لكونها الرغبة بامتلاك كل شيء مع عدم ترك شيء يصلح للآخرين وكره الخير لهم مقروناً بالنوايا السيئة، لكونه يرى ان جميع الناس اعداؤه وان نجاحهم سينتقص من نجاحه وقد يُفرط البعض بالبحث عن الطرق التي سيتمكن من خلالها إفشال نجاحات الآخرين ليثبت تميزه واستحقاقه النفعي.
وقد تناول العلماء والباحثون الفروقات بينهما، واصفين الشخص الأناني بالذي لم يتمكن من حب ذاته ومعرفة عيوبه وقواه الخفية، فيرى العالم بعين قاصرة، مقتنعاً بفكرة الغاية تبرر الوسيلة، تسيطر عليه فكرة الاهتمام المفرط بالذات مع عدم مراعاة مشاعر الآخرين أو احتياجاتهم.
في حين يُعرف المحب لذاته قيمة ما يمتلك من صفات، بدءاً من قناعته بشكله وتقبله لوضعه الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، يواجه عيوبه ويحاورها أمام مرآة عقله للرقي بها واستبدالها بما يحب لأجله هو لا لإرضاء من حوله، مُركزاً على ذاته، دون ان يستاء من نجاح الآخرين، بل يفرح لهم ويساعدهم.
وبالرغم من هذا الفارق الكبير، إلا ان الغالبية ترى ان هناك شعرة رقيقة تفصلهما، جعلت من الصعب على بعض البشر التفريق بينهما، فاختلط الحابل بالنابل، وضاعت البوصلة في إطلاق الأحكام، حتى بات حب الذات عند البعض معيباً وبغيضاً، والبعض الآخر جعله شماعة ليعلق عليها نقاط ضعفه وقلة حيلته التي منعته من الوصول الى هذه الدرجة من السمو النفسي.
غير مدرك أن تلك الأرواح تبغض الانانية ولا تستمع أو تكترث لأصوات من لا يملكون الوعي بهذه الفروقات الجوهرية أو يميزون بينها، وبأن بصيرتهم القوية التي مهدت لهم الطريق للوصول لهذه المرتبة النفسية، يستشفون من خلالها الأرواح المتثاقلة الضعيفة التي اكتفت بالبقاء والسكون في الظلام بالتقليل من درجة استحقاقها الحياتي في محيط تغلب عليه الأنانية.
لذا تراهم دائماً يحثون الآخرين على حب الذات ورفع معدل الاستحقاق النفسي بالرضا والسعادة مع السعي والبحث عن الأفضل دائماً لترتقي الأرواح البشرية.
بكلمات أخرى، حب الذات يعني أن تحظى باحترام كبير لرفاهيتك وسعادتك مع الاهتمام باحتياجاتك وعدم التضحية بها لإرضاء الآخرين وكذلك عدم الاستقرار بأقل مما تستحق.
ولكن رغم كل هذه المفارقات، إلا انه ما زال هناك من يردد كلمات حب الذات دون ان يطبقها ويُفعّل أسسها الأولية بقناعة يكفلها الرضا والتي يحتاج فيها الى تهذيب وتدريب للروح بالاعتياد على التحدث مع الذات بحب وإيجابية دون إطلاق الأحكام وجلد الذات المستمر، فضلاً عن ضرورة اتقان فن الحياة لضمان السعادة والراحة للجميع دون الحاجة للتنازلات والتضحيات الضارة والمدمرة لأي طرف يتبنى فكرة «أنا ومن بعدي الطوفان».