خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
الاندفاعة التي برزت نهايات الشهر الماضي من قبل بكركي لاستضافة لقاء مسيحي يسهم في حل أزمة الشغور الرئاسي، تراجعت حيوياتها لأسباب مركبة، أبرزها أن مساعي الكاردينال بشارة الراعي لجمع رؤوس أقطاب الموارنة على وسادة بكركي، اصطدمت بلعبة الشروط والشروط المتصادمة؛ فالتياران الأساسيان على الساحة المسيحية؛ القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ربطا موافقتهما على عقد هذا الاجتماع، بحصول جبران باسيل على ضمانات مسبقة تمنع سمير جعجع من توجيه لقاء بكركي المسيحي لمصلحة أجندته الرئاسية؛ والعكس صحيح بالنسبة لما يريده جعجع من لقاء بكركي المسيحي.
وهذان الشرطان المسبقان اللذان وضعا على بكركي؛ أديا إلى النتيجة التقليدية التي تسود الوضع المسيحي منذ خروج جعجع من السجن وعودة ميشال عون من المنفى؛ وهي “قدرة كليهما على تعطيل فعالية الآخر” وبالتالي تعطيل بكركي التي بدورها ضمن الظروف المسيحية الراهنة تتجه لأن يفرض عليها أن تجبر على الاحتجاب عن تمثيل ما يمكن تسميته “القدرة الكلية المسيحية الإيجابية” التي يجب أن تشكل احتياطي استراتيجي للمستقبل المسيحي الوطني اللبناني..
.. فبكركي بوضعها الحالي؛ أو بالأصح بوضع المسيحيين الحالي، لا تستطيع المبادرة لكسر الشلل والعجز الذي يسيطر على الوضع المسيحي، كونها لا تملك لا إمكانات ولا وسائل تفعيل الواقع المسيحي خارج ما يريده تيارا معراب والرابية اللذان لدى كل واحد منهما ورقة الفيتو التي تعطل الآخر من جهة، وتعطل القدرة الكلية المسيحية الإيجابية لحركة بكركي من جهة أخرى.. وهذا الواقع من توازن القوى التعطيلي داخل الساحة المسيحية، هو الذي يتسبب بنسبة غير قليلة، بعرقلة مسار عقد اللقاء المسيحي في بكركي، وهو الذي جعل تحرك بكركي يدور داخل الحلقة المفرغة المتمثلة باستمرار تنقل راعي أبرشية انطلياس المطران انطوان أبو نجم بين المسؤولين المسيحيين باحثاً عملياً عن تحصيل صورة نجاح مسيحي ولو شكلي، لبكركي..
إن تعقيدات الوضع المسيحي الراهن من ناحية، وتداعيات زلزال العهد العوني وارتداداته على مستقبل المسيحية السياسية اللبنانية من جهة ثانية، جعل بكركي “عاطلة” عن العمل ضمن موجبات دورها المطلوب وطنياً ومسيحياً؛ تماماً كما أن القوى المسيحية الرئيسية تعيش واقع أنها ليس لديها ما تفعله عملياً تجاه إنهاء الشغور الرئاسي، سوى تكرار التصريحات المتصادمة، وتحولها أكثر فأكثر مع كل يوم جديد يمر على الشغور الرئاسي، إلى “أحزاب وقوى انتظارية” ليس بيدها زمام المبادرة في “ملف انتخاب فخامة الرئيس العتيد” الذي صار أيضاً (أي هذا الملف) خارج يد بكركي، وموجوداً فوق طاولة قرار الثنائي الشيعي الذي يمسك أحد طرفيه (رئيس البرلمان) بناصية عقد جلسات انتخاب الرئيس؛ والطرف الثاني (حزب الله) بناصية “انتاج وتفصيل بدلة فخامة الرئيس” ..
إن أخطر ما يواجه دور بكركي الحالي تجاه أزمة الشغور الرئاسي، هو ثلاثة أمور:
أولاً- أن تجد نفسها قد تحولت بفعل الواقع المسيحي الراهن المتصادم، إلى “مرجعية انتظارية” تدور مع “الأحزاب المسيحية الانتظارية” داخل حلقة الشلل على مستوى إنتاج مبادرة الحل المسيحي الوطني لشغور مقعد فخامة الرئيس المسيحي الوحيد في كل الشرق الأوسط..
ثانياً- أن تجد بكركي نفسها أنها باتت كل مهمتها الجوهرية ليس إيجاد حل لأزمة الشغور، بل الحصول على صورة نجاح شكلية لبكركي مسيحياً..
ثالثاً- أن تؤدي أزمة الشغور الرئاسي إلى تكريس الانطباع السائد بأن بكركي تعيش واقع أن البطريرك صفير أخذ معه مفتاح فعالية بكركي وطنياً ومسيحياً، وأن تجربته التي تضمنت فعالية أنها “مرجعية مبادرة” وليست “مرجعية انتظارية”، قد انتهت لبنانياً ومسيحياً؛ والسبب في نهايتها تتحمل مسؤوليته بالأساس السلوكيات السياسية للمسيحيين اللبنانيين، وليس أي طرف آخر غير مسيحي.
والواقع أن فشل بكركي في عقد اللقاء المسيحي سيعني ليس فقط فشلها في إنتاج الحل المسيحي الوطني لانتخاب فخامة الرئيس العتيد، بل سيعني فشلها في قيادة المسيحيين لإنتاج إرادة مسيحية سياسية تنهي الشغور الرئاسي الخاص بالرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.. وسيعني أيضاً أن مجد لبنان بات مصيره بيد الانقسام المسيحي، ولم يعد يتفاعل رمزياً ضمن مقولة أنه أعطي لبكركي..