خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
منذ ستينات القرن الماضي حذر السياسي اليساري الإسرائيلي أوري افنيري النخب السياسية الإسرائيلية مما أسماه أن إسرائيل تتجه للوقوع في “المشرقة “، أي أن نظامها السياسي سيتبدل من نظام ديموقراطي ليصبح مع إنخراطها في تفصيلات المنطقة أكثر فأكثر إلى نظام ديكتاتوري كما هو الحال في معظم دول المشرق!!.
..طبعاً النقاش الذي يثيره افنيري هو كله نقاش ذو اعتبارات إسرائيلية، ولذلك فإن هذه السطور تنطلق من الخلفيات الإسرائيلية لكل كلمة فيها، وليس انطلاقاً مما نراه نحن العرب الذين نعتقد أن إسرائيل لم تكن يوماً دولة طبيعية، فضلاً عن أنها لم تكن يوماً دولة ديمقراطية.
وبالعودة لسياق النقاش الإسرائيلي بكل أبعاده واعتباراته، يمكن القول اليوم بشيء إضافي من الثقة أن الكيان الصهيوني يقف في هذه اللحظة وجهاً لوجه أمام طبيعته غير الديموقراطية والإلغائية ليس فقط للآخر العربي والفلسطيني بل أيضاً للآخر اليهودي غير المعتنق للفكرة الدينية اليمينية اليهودية المتطرفة.
وما يحدث اليوم على هذا الصعيد هو التالي:
أولاً- أصبح نتنياهو يرمز داخل إسرائيل إلى معادلة تقول أن اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يستطيع الحضور داخل القرار الرسمي الإسرائيلي من غير الاعتماد على دينامية شخصية نتنياهو؛ وبالمقابل فإن نتنياهو لا يستطيع أن يكون رئيساً للحكومة، وحراً خارج السجن، إلا بالاعتماد على اليمين الديني المتطرف من أحفاد حركة كاخ المتهمة بالإرهاب حتى من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية.
..وعليه فإن إسرائيل منقادة اليوم من تحالف كتلة متهمة بالإرهاب بموجب القانون الإسرائيلي (بن غفير وجماعته)، مع كتلة أخرى مدانة بالفساد من القانون الإسرائيلي (نتنياهو وزوجته سارة). وهاتان الكتلتان هما الآن في سدة السلطة، ويقومان باستغلال حصانتهما السياسية، لينفذا تحت غطائها عملية انتقام بمفعول رجعي من السلطة القضائية التي اتهمتهما بالأمس القريب بالإرهاب وبالفساد.
ثانياً- ما تسعى إليه هاتان الكتلتان المنتميتان إلى جناحي “اليمين” وأقصى اليمين” هو جعل القضاء في قبضة السلطة التنفيذية، وانهائه كسلطة مستقلة يمكنها مساءلة التطرف الإسرائيلي أو الفساد الذي يمارس من أجل تثبيت معادلة سيطرة اليمين المتوحش.
ثالثاً- رغم أن إسرائيل بنسبة ٧٠ بالمئة منها هي اليوم منحازة لليمين بكل تلاوينه، إلا أن “غزوة حكومة أقصى اليمين” للقضاء خلق داخل إسرائيل “حركة معادية لليمين” وليس فقط “حركة معارضة له”. والسبب في ذلك يعود لكون البيئات غير المنتمية لليمين في إسرائيل، وفي كل ما يسمى بالشتات اليهودي، بدأت تتأكد من أنه إذا نجح اليمين في انقلابه على القضاء؛ فهذا سيعني أمراً واحداً وهو أنه لم يعد لغير اليميني في إسرائيل قانوناً وقضاءاً يحميه.. وهذا الواقع المستجد في إسرائيل، والذي خلق انقساماً عامودياً بين فئتين، الأولى تمثل أغلبية يمينية مستقوية بنتائج الفرز الشعبي والاجتماعي لصالحها، ومستقوية بنتائج عودتها للحكم رغم أن السلطة القضائية ادانتها.. والثانية هي أقلية ليست يمينية، ولكنها الآن باتت موحدة كونها تشعر أنها بعد الإنقلاب اليميني على القضاء، أصبحت من دون حماية، نظراً لأن التعديلات التي أدخلتها حكومة أقصى اليمين على قوانين القضاء الإسرائيلي، أدى إلى سحب الغطاء القضائي عنها..
..والواقع أن هذا النوع غير المسبوق من الانقسام الذي تشهده إسرائيل، هو الذي جعل رئيس الشاباك يحذر من حصول “صدام أهلي” في إسرائيل بين يهود يرون أن لهم الحق في السلطة المطلقة؛ وبين يهود يرون أنهم أصبحوا ضحايا هذه السلطة المطلقة؛ وهكذا تحولت إسرائيل بفعل أنها دولة احتلال للفلسطينيين، إلى دولة احتلال أيضاً من قبل يهود ليهود آخرين!!.