الهديل

خاص الهديل: توسط سعادة ” التعبير المجازي ” لإنهاء عاصفة سوء فهم معوض لما قصده بري !!،

خاص الهديل:

https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers

اعلن مرشح رئاسة الجمهورية ميشال معوض حربا شخصية على الرئيس نبيه بري لأنه اعتبر التعبير الذي استعمله في وصف ترشحه، ينطوي على اهانة شخصية له ولعائلته الكريمة (!!).. ولكن بري يستطيع ان يرد عنه هذه التهمة بسهولة لو قرر ان يأخذ ميشال معوض معه في نزهة صغيرة الى ” جبل عامل ” حيث نشأة بري، ليرى ابن ميشال معوض بأم عينه  كيف ان المخاطبة بين الناس في جبل عامل اعتادت ان تتفنن بالاستعارات والتعبيرات المجازية؛ وكيف ان تقاليد المخاطبة هناك تعتبر ان التقنيات التعبيرية ( من المجاز إلى الاشتقاق وكل صفوف البيان) هي ثروة حباها الله للغة العرب لتصبح اغنى واذكى واجمل، وليس لتكون باي حال مهينة ومستفزة.. 

ان جبل عامل هو جغرافيا ثقافية وليس جغرافيا مكانية، وكانت ولا زالت حدودها تبدأ من الجنوب حيث تحدها فلسطين التي لا يتغير اسمها؛ فيما حدودها من باقي الجهات الثلاث الاخرى هي بحور الخليلي وجبال من الاستعارات وانهار وسواقي من التعبيرات المجازية التي هي لغة المخاطبة بين الفراشات والورود.. 

قصارى القول هنا هو ان هذا المعنى لجبل عامل هو من يسهل على ميشال معوض تفسير ما قصده بري الذي ذهب ليستعير من اللغة تقنياتها من الاشتقاق الى المجاز، الخ.. وذلك على نحو ما يفعل العامليون الذين يرتدون من اللغة في تخاطبهم اجمل ثيابها واذكي صيغها ، ويخاطبون اللبيب الذي يفهم من الاشارة ..

وقصارى القول هنا ايضا ان بري بالتأكيد لم يقصد في وصفه لحال ترشح ميشال معوض، لا الإساءة الشخصية اليه، ولا بالطبع الإساءة الشخصية لوالده الرئيس الشهيد رينيه معوض، بقدر ما قصد الذهاب إلى تقنية التعبير المجازي ليوصف “حالة ترشح” و” ليس حالة مرشح” ؛ علما أن تقنية التعبير المجازي هذه درج بري على استخدامها بتلقائية في معظم تصريحاته، حتى صارت جزء من خطابه السياسي المعتاد ؛ وسبب ذلك هو ان عاملية بري اهدته “عباءة رئاسية لغوية” يعلقها على كتفيه فوق ” عبائته الرئاسية الثانية.”. 

..والواقع ان سياق توصيف بري لترشح ميشال معوض جاء من مناخ الكلام العام والسائد بخصوص انه يوجد مرشحين اثنين استقر الرأي العام على توصيفهما بأنهما مرشحان جديان وهما العماد جوزاف عون وسليمان فرنجية، فيما ترشيح الاخرين، وبمقدمهم ميشال معوض، هو ترشيح غير جدي؛ وهنا التوصيف يستخدم على نحو مجازي ايضا ؛ اي انه يقصد ان ترشح معوض لن يقوده إلى الفوز، وليس المقصود هنا ان معوض شخصيا غير جدي أو غير ذي جدوى… غير ان نبيه بري اضاف الى بيت الشعر معنى ، وعلى الوصف المجازي وصفا جديدا ، وذلك حينما شبه ترشيح معوض بنمو جنين الانبوب الذي لا أمل له بالحياة.

 والواقع ان التفسير الذي قدمه معوض لتعبير بري المجازي هذا لم يكن حاذقا ولا موفقا؛ لأنه أهمل الجانب الأدبي الوارد فيه الذي طالما يستخدمه بري في كل تصريحاته وخطبه ؛ وهو جانب يستعير من اللغة العربية أجمل تقنية تعبيرية فيها، اي التعبير المجازي الذي يشبه الشيئ البعيد بالشيئ القريب متوسلا بذلك تبيان معاني اللؤلؤ الكامن في قلب الاشياء وليس في ظواهرها.

وعليه ما كان يتوجب على ميشال معوض ان يفسر تشبيه بري المجازي على نحو يقفز عن معناه الباطني إلى معناه التبسيطي الظاهر … ولو ان العرب فسروا التعبير المجازي في تخاطباتهم على نحو ما فعل ميشال معوض مع ما قاله بري مجازا عن ترشحه، لكانت وقعت الف حرب بينهم، ولكانت في كل ساعة اشتعلت بين قبائلهم “حرب داحس والغبراء” .. 

وطالما ان الشيئ بالشيئ يذكر، فإنه قد يكون مفيدا تذكر التعبير المجازي الذي ذهب اليه كريم بقرادوني في وصف الفرق كما فهمه انذاك حزب الله بين ترشيح ميشال عون وترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية عام ٢٠١٦ لرئاسة الجمهورية؛ حيث استعار بفرادوني تعبير المتنبي المجازي ليعتبر ان ترشيح عون له أهمية أكبر : ان في الخمر معنى غير العنب .. 

وانذاك لم يغضب هذا التوصيف المجازي فرنجية ولم يفرح عون ؛ ذلك ان المجاز في العربية تفتح في العقل نافذة للتفكر بمعناها وليس كوة لتنفذ منها براكين الغضب. 

.. وفي مناسبات عدة كان ريمون ادة يقول ان الرئاسة الأولى ينالها أصحاب الحظوظ وليس أصحاب العقول.. ولم نسمع يوما ان فؤاد شهاب أو كميل شمعون أو شارل حلو اعتبر تشبيه ادة بمثابة اهانة لهم، أو بمثابة اتهام لهم بالجنون. فيما جان عبيد الذي كان يسميه سعود الفيصل وزير خارجية السعودية الابرز “حكيم العرب” ، اعتاد القول انه لا يسعى ولا يقوم بأي جهد كي يصبح فخامة الرئيس ، وذلك ليس لأنه متعففا؛ بل لأنه بعد تجربته مع وصول الرؤساء إلى قصر بعبدا بات يعتقد ان الرئاسة هي قدر مكتوب في ” اللوح الرباني”، وان فيه معنى ” ورزقكم في السماء وما توعدون “.. ولم نسمع يوما ان رجل دين مسيحي او مسلم اتهم توصيف جان عبيد بأنه تطاول على الذات الالهية.. وقد وذهب جان عبيد الى قرب ربه، فيما ظل تعبيره المجازي عن الرئاسة ونصيحته بأن لا يغالي الموارنة الطامحين في البحث عنها لأن قدر مكتوب، يعيش بين اللبنانيين كلما احتدم التنافس في موسم الاستحقاق الرئاسي.

Exit mobile version