خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
لا أحد في لبنان أو في خارج لبنان يصدق أن هذا الربيع سيكون ربيع انتخاب فخامة الرئيس العتيد..
والسبب المباشر والواضح والبسيط هو أنه لا الثنائي الشيعي وحلفائهما، ولا المعارضة القواتية وحلفائها المرحليين، ولا التغييريين وملائكتهم لديهم قدرة، كل على حدا على جمع ٦٥ نائباً لصالح مرشحهم؛ فضلاً عن أن أي أحد أو جهة منهم، لا تملك منفردة تجميع العدد المطلوب من النواب لتأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس (٨٦ نائباً)..
وعليه فإن عملية انتخاب فخامة الرئيس عالقة في مأزق أن مجلس النواب مشتت بين مجموعة كتل نيابية وسياسية، ليس باستطاعة أية كتلة منها لوحدها، إيصال مرشحها لرئاسة الجمهورية..
في البلدان الديموقراطية السوية فإنه يتم معالجة مثل هذا الاستعصاء عبر اتباع واحد من حلين اثنين لا ثالث لهما؛ وهما إما الذهاب إلى انتخابات نيابية جديدة مبكرة لإنتاج برلمان فيه أغلبية سياسية تستطيع انتخاب رئيس.. أما الخيار الثاني فهو أن يتم أغلبية الـ٨٦ نائباً أو أقله الـ٦٥ نائباً عن طريق إبرام تسوية بين كتلتين أو ثلاث كتل على اسم رئيس..
..ولكن في حالة لبنان يبدو أنه لا إمكانية عقد انتخابات نيابية مبكرة متاحة، ولا إمكانية تسوية بين مجموعة كتل نيابية تملك معاً ٦٥ نائباً متاحة.. فالبلد ودولته هما اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، في حالة عجز عن عقد انتخابات بلدية تكلف عشرة ملايين دولار، فكيف الحال مع عقد انتخابات نيابية عامة تكلف البلد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أثماناً باهظة..
..وبالمقابل فإن إمكانية إبرام تسوية بين كتل نيابية وازنة لاختراق حالة استعصاء الحصول على نصابي عقد جلسة انتخاب فخامة الرئيس وتمرير جلسة انتخابه، لا تبدو ممكنة أيضاً؛ فأكبر كتلتين مسيحيتين، لا يمكنهما اليوم تكرار تجربة لقائهما التي حصلت عام ٢٠١٦ والتي انتهت بحفلة خيانات لاتفاق معراب الذي على أساسه جرى اتفاقهما.. ويمكن القول أنه بعد تجربتهما مع اتفاق معراب لم يبق لديهما اليوم “مشروع اتفاق مقنع كي يوقعانه إيذاناً بتكرار اتفاقهما”!!.
وحزب الله والتيار الوطني الحر تلاشى بين يديهما أيضاً تفاهم مار مخايل، وذلك كما ينطفأ عمر عجوز ما عاد لروحه قدرة على مقاومة وصوله لنهاية العمر.. ومصطلح تطوير اتفاق مار مخايل لم يعد مقنعاً؛ فالتطوير قد يكون مفيداً لحالة بقي فيها شيء من القناعة بها؛ وهذا الأمر لم يعد متوفراً بالكامل بين التيارين الأصفر والبرتقالي.. وللدلالة على استحالة ترميم علاقتهما، يكفي هنا الإشارة إلى أن العونيين يعتبرون أن مشكلتهم مع حزب الله هو نبيه بري، فيما الحزب يعتبر أن مشكلته مع العونيين تظل أهون بما لا يقاس من حدوث مشكلة له مع نبيه بري!!.
..وعليه، فإنه ليس هناك حل متوفر يعيد مسار نهر مار مخايل لسياقه الطبيعي..
أما التغيريون فهم “قوة طرح” وليسوا “قوة جمع”، وقد يكون لديهم أسبابهم التي تبرر سلوكهم هذا، ولكن بالعمق فإن تجربتهم تؤشر إلى صعوبة التغيير في لبنان، وبالأخص إلى صعوبة إيجاد الكتلة الاجتماعية القادرة على إحداث التغيير السياسي في البلد؛ وهي الكتلة التي يسمونها “الكتلة التاريخية” التي تتشكل غالباً من الطبقة الوسطى.. وعليه يمكن القول أن إحدى أكبر مشاكل إحداث التغيير السياسي في لبنان؛ لا تكمن اليوم فقط بسيطرة مرض الطائفية على مفاصل جسد المجتمع مما شل حركته؛ بل تكمن أيضاً في اضمحلال الطبقة الوسطى نتيجة انهيار القيمة الشرائية لرواتب القطاع العام الذي داخله تحدث عملية الارتقاء الاجتماعي؛ وأيضاً نتيجة تبدد الثروات الصغيرة وهجرة الكفاءات الشابة الواعدة، وسيطرة طبقات طفيلية حزبية عديمة الثقافة وتمتلك وسائل “العنف الرسمي” ووسائل “التعنيف الاجتماعي” اذا جاز التعبير.
أما كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي فهي، كما يظهر من حالها ومن سلوكها الراهن، تبدو وكأنها في حالة “بحث حذر” عن العودة للعب دور “بيضة القبان” داخل الحياة السياسية والحزبية اللبنانية كما كان حالها طوال فترة ما بين ٢٠٠٥ وحتى ما قبل وصول عون لرئاسة الجمهورية.. ولكن توازنات القوى الحزبية والسياسية والنيابية لم تعد تسمح لوليد جنبلاط بأداء دور “قوة الوسط أو بيضة القبان” التي كان جنبلاط بواسطتها يأخذ البلد بقرار منه، من ضفة ١٤ آذار إلى ضفة ٨ آذار، وبالعكس.. وحتى المختارة ذاتها لم يعد لها مصلحة بدفع الثمن السياسي والأمني لقيامها بمثل هذا الدور (دور بيضة القبان)..
ووسط كل هذا الحال من شلل إمكانية انتاج عملية انتخاب فخامة الرئيس العتيد؛ ثمة من يعتقد أن هناك سيناريو يتم العمل عليه في هذه المرحلة من قبل الثنائي الشيعي، وبالأخص من قبل حزب الله، ومفاده يقوم على التالي: إطلاق حملة اتصالات خارجية من أجل إقناع العالم بترشيح سليمان فرنجية..
ويقال أن وليد جنبلاط يشارك بهذه الحملة من خلال قناة علاقة النائب وائل أبو فاعور مع السعودية التي زارها مؤخراً. ويقال استدراكاً أن جنبلاط يضع قدماً في بازار ترشيح ميشال معوض مع معراب وقدماً أخرى على سكة نبيه بري الذي يفاوض من خلال ورقة ترشيح فرنجية، على هدف ابرام تسوية على بديله.
.. ولكن حتى هذه اللحظة لا يبدو أن اتصالات الخارج التي يقوم بها الثنائي الشيعي بمشاركة وسطاء علنيين وسريين معه، نجحت في إقناع دول القرار بتأييد ترشيح فرنجية أو حتى نجحت – وهذا هو الأهم وهنا مكمن الخطة – في استدراج دول القرار للتفاوض مع الثنائي الشيعي حول بديل فرنجية على اعتبار أن ميشال معوض هو مرشح غير قابل للوصول للرئاسة.