الهديل

خاص الهديل: الأجوبة الأميركية على الأسئلة اللبنانية: دول القرار ما عادت ترغب بلعب دور “القناصل” في لبنان!!

خاص الهديل:

https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers

هناك في لبنان بحث لا يهدأ عن الموقف الأميركي تجاه كل أزمات لبنان الكبيرة منها والصغيرة.. 

.. واللبناني الذي جسده رسام الكاريكاتير في مجلة الصياد في النصف الثاني من القرن الماضي بصورة الرجل الريفي الساذج (وليس فقط الطيب) “أبو خليل”، لا يزال هو ذاته في القرن الجديد وفي العام ٢٠٢٣.. فاللبناني القديم والمعاصر حينما يتعاطى بالسياسة الدولية، يتصرف سياسياً وثقافياً وسلوكياً ونفسياً، على طريقة القروي “أبو خليل “وبنفس تفكير إبن الضيعة “دويك”!!.. 

وهذا التفكير اللبناني القاصر عن إدراك المنطق والنضج في قياس وضع لبنان دولياً، أكثر ما يتجسد عندما تقارب أحزابه الموقف الأميركي من أزمات لبنان؛ حيث يظن اللبناني “دويك” أو “أبو خليل” أن واشنطن تهتم؛ بل ولديها إصبع في كل تفصيل يحصل في لبنان، سواء كان انتخابات على مستوى المخترة في قضاء المتن، أو على مستوى الشغور الرئاسي، أو صراعاً يجري بين حزبي الطشناق والكتائب على تعيين مدير عام في وزارة التربية، أو خلافاً ينشب في مطبخ الرئيس ميشال عون بين جبران باسيل والآن عون على تعيين مسؤول إقليم كسروان الفتوح في التيار الوطني الحر!!.

وحالياً أكثر ما يحير “اللبناني دويك” أو “أبو خليل” هو أنه لا يعرف إسم فخامة الرئيس العتيد الذي يريده العم سام؛ ولذلك يسود لبنان الانتظار؛ ويسود جو من القناعة والثقة الكاملة لدى اللبنانيين بخصوص أنه في النهاية سيختار بايدن أو ربما باربرا ليف أو موظف صغير في قسم لبنان وسورية بالخارجية الأميركية، فخامة الرئيس العتيد، وعند حدوث ذلك، ستنتهي الأزمة بسحر ساحر.. 

السؤال هو لماذا يفكر “اللبناني السياسي” و”اللبناني المواطن” بهذه الطريقة القاصرة، وبشكل تقارب انها “استلابية” و”تبعية مرضية” عندما يكون الموضوع العم سام ولبنان؟؟.. وبسؤال أوضح لماذا يصبح اللبناني نسخة طبق الأصل عن الريفي الساذج “أبو خليل” أو “دويك” عندما يصبح الموضوع يدور حول تأثير الموقف الأميركي على لبنان؟؟..

هناك مئات الأسباب بعضها ذو صلة بنمطية ثقافية لبنانية مرضية تغالي بتثمين قيمة الغرب، وبعضها ذو صلة بالتطورات التي أدت إلى تشكل نظرة لبنان لذاته داخل محيطه العربي والإسلامي، وبعضها الآخر وليس الأخير مرتبط بتطور التعليم؛ الخ.. 

..ولكن أبرز سبب في هذا الجدول الطويل من الأسباب الموجبة لجعل لبنان أسير نظرة قاصرة وساذجة لفهم علاقة العم السام بخاصة والعالم بعامة به، هو ثقافة الوقوف عند رأي وخاطر القناصل الأجنبية عند زعماء السياسة في لبنان.. وهذه ثقافة نشأت مع نشوء لبنان الصغير وحتى قبل نشوئه؛ وواكبت كل مراحل تطور بلد الأرز منذ تحوله للبنان الكبير إلى استقلال الـ٤٣ إلى جمهورية الطائف وحتى “نظام حكم اتفاق الدوحة”، وصولاً إلى لحظتنا الراهنة..  

كل المشكلة تكمن في نظرة اللبناني السياسي والحزبي والمصرفي والسياحي والنخبوي والعادي إلى ذاته؛ فكل هؤلاء يشتركون في أنهم يحملون فكرة مسبقة، وهي أن أساس ولادة لبنان حصلت على “سرير القناصل” وليس لأن شعبه هز قبضته بوجه الانتداب الأجنبي؛ وعليه فإن كل أحداث لبنان حصلت وتحصل وستحصل فوق سرير القناصل، وكل حدث سياسي يحصل في تاريخه الراهن والسابق، يولد على يدي قابلة خارجية.. 

وتجدر الإشارة إلى أن هوية القنصل في ذهنية التعامل اللبناني اليومي، تتغير؛ ولكن مفهوم التبعية للقنصل الأجنبي لا تتغير مع تغير هويته وجنسيته.. فحينما كان القنصل فرنسياً كان اللبناني ينظر لكل كبيرة وصغيرة في لبنان على أنها تتفاعل داخل تطبيقات مقولة أن “باريس مربط خيلنا”.. وحينما دخل لبنان مرحلة الوصاية السورية، تعامل اللبنانيون مع دمشق بوصفها “القنصل العربي الجديد” المفوض من القناصل الأجانب لإدارة مرحلة جديدة من أزمة قصور الهوية الوطنية اللبنانية.

واللافت والغريب حالياً، هو أن المشكلة الوحيدة التي يعترف ويقر بها اللبنانيون من بين جميع مشاكلهم، هي أن العالم غير مهتم بحل مشكلتهم الاقتصادية أو بمشكلة الشغور الرئاسي.. والترجمة العملية لهذه المقولة هو أن اللبناني يشعر بالضياع وبفقدان الأمل بالغد، كون القناصل الأجانب في إجازة عن فرض الحلول على لبنان، وكون القناصل الأجانب مهتمين بمشاكل بلادهم وتخلوا عن مهمة إدارة أزمة المزرعة اللبنانية، أو إدارة مرحلة جديدة من أزمة قصور الهوية الوطنية اللبنانية.

وللمرة الألف يسمع اللبنانيون بمناسبة أزمة بلدهم الحالية؛ كلاماً دولياً بلسان اميركي، يقول لهم أن زمن حل مشاكل لبنان بالنيابة عن اللبنانيين، انتهى.. ويسمع اللبنانيون من العرب بلسان السعودية نفس هذا المعنى الذي يقول لهم: لا يمكن مساعدة لبنان إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم!!.. ولكن اللبناني “دويك” و”أبو خليل” لا يريد أن يصدق أنه مطلوب منه أن يحكم نفسه بنفسه، ومن دون “تعليمة القناصل”؛ في حين أنه لا العربي ولا الغربي ولا حتى الأميركي، وكل لأسبابه، بات يرغب، أو له مصلحة في لعب دور القنصل في لبنان.. 

العالم تغير، وحجم لبنان بخاصة، وربما حجم كل المنطقة تغير بشكل انقلابي، داخل صورة العالم الجديد الذي ينتقل فيه ثقل الحدث الاستراتيجي من منطقة إلى أخرى، وتنتقل فيه عملية الصراع على الثروة من نطاق الى نطاق..

وضمن هذه المعادلات المتصاعدة، يجدر أن يفهم لبنان نوعية التفصيل السياسي الموجود فيه، وذلك من خلال التوقف عن الأجوبة الأميركية المختصرة على أسئلته المسهبة: 

الجواب الأميركي الأول: العالم الآن كله موجود في أوكرانيا.

الجواب الاميركي الثاني: اتفقوا أيها اللبنانيون على أي فخامة رئيس، شرط أن يباركه الخليجيون لأن هؤلاء هم الوحيدون الذين سيمولون الحل في لبنان..

..هذه هي كل مضمون “تعليمة” القنصل الأميركي للبنان؛ فماذا نحن فاعلون؟!..

Exit mobile version