خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
هناك خلط هذه الأيام بين مشروع الفيدرالية الذي تطالب بتحقيقه جهات لبنانية، وبين مشروع اللامركزية الإدارية التي طالب بها دستور الطائف.. وثمّة من يعتبر أن تطبيق المشروع الثاني (اللامركزية الادارية) المنصوص عليه في دستور الطائف، ليس إلا ممراً لتحقيق المشروع الثاني (الفيدرالية) غير المذكور في دستور الطائف..
وتحدث هنا إشكالية لافتة، وهي أنه في حين يتم إهمال المطالبة بضرورة تطبيق الجزء الأهم من الطائف الذي بقي من دون تطبيق (اللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ) وذلك لتحقيق إصلاح الحال الإقتصادي والإداري (الخ..) في لبنان، فإنه يصار إلى إبراز ضرورة القفز إلى نظام جديد؛ وذلك من خلال طرح مشروع الفيدرالية ليس كمادة سياسية للنقاش بل كأمر واقع وصل إليه اللبنانيون والنظام السياسي والطائفي في لبنان!!.
والواقع أن الفذلكة السياسية التي يقدمها القائلون بأن الفيدرالية هي الحل الوحيد، هي أخطر ما في مشروعهم، وهي أكثر ما يدعو المراقب لوصف هؤلاء بأنهم يغامرون بمستقبل البلد والوطن وأيضاً الدولة الوطنية..
لماذا؟؟
أولاً- لأن طارحي مشروع الفيدرالية يتقصدون الإيحاء الصريح بأن هذا المشروع فرضه “تطور الحل الطبيعي للأزمة غير الطبيعية التي تواجه لبنان”..
وهذا التوصيف غير صحيح وانفعالي ولا يفقه “معنى السببية (التعايش) بين لبنان ووجوده”.
ثانياً- لأن طارحي الحل الفيدرالي يتجاوزن نقطة مركزية وأساسية في هذا المجال ومعروفة لمن تابع هذا الملف برزانة؛ وهي أن طرح مشروع تطبيق النظام الفيدرالي في لبنان، أو طرح موضوع تقسيم لبنان طائفياً؛ هو أمر توجد شروط تحقيقه من عدمه، في داخل معادلة تطور لعبة الأمم مع النظرة الجيوسياسية للمنطقة؛ وليس داخل نظرة لبنان لنفسه أو داخل نظرة المسيحيين له..
..وللدلالة على هذا المعنى، يمكن العودة لبدايات الحرب الأهلية في لبنان خلال عقد سبعينات القرن الماضي.. آنذاك طرحت مجموعة من النخب المسيحية على مرجعيات مسيحية تملك وسائل المعرفة السياسية والفكرية، السؤال المحدد التالي: طالما أن الطلاق بين المسلمين والمسيحين في لبنان وقع فعلياً بدليل الحرب المندلعة بينهما؛ أليس من الحكمة أن نسرع التقسيم في لبنان ونوقف الحرب، بدل أن تستمر الحرب تحت شعار وحدة لبنان وتحرير كل لبنان، ويذهب عشرات آلالاف من القتلى والجرحى المسيحيين؟؟..
آنذاك تلقت هذه المجموعة إجابة واضحة على سؤالها؛ مفادها أنه حتى لو كان خيار التقسيم أو الفدرلة في لبنان هو خيار صحيح؛ فإن تطبيقه أو عدم تطبيقه هو أمر يتجاوز سؤال ماذا يريد اللبنانيون(؟؟)، ويدخل في صلب سؤال هل هناك خطة دولية ومصلحة دولية لنقل دول المنطقة من نظام الدولة الوطنية إلى نظام الفيدرالية والكانتونات؟؟.. وفي حال كان القرار الدولي هو لصالح مشروع فدرلة المنطقة فإن لبنان سيلتحق بإرادته أو غصباً عنه، بهذا المشروع، والعكس صحيح.
وأحد المرجعيات المسيحية المشهود له بأنه الأكثر معرفة وصلات ورزانة، رد آنذاك بعبارة شافية على سؤال هل يذهب المسيحيون للتقسيم باكراً حتى لا يخسروا لو تأخروا أكثر؟؟.. وجاء مفاد رده أنه “أيها المسيحيون راقبوا العراق؛ ففي حال تقسم العراق فإن لبنان حتماً سيقسم وفي حال تفدرل العراق فإن لبنان حتماً سيذهب الى نظام الفيدرالية”…
..وبعد خمسين عاماً من إجابة هذه المرجعية المسيحية العارفة النى دعت حينها المسيحيين، وأيضاً كل اللبنانيين، لمراقبة تطور شكل النظام السياسي في العراق لمعرفة كيف سيتطور شكل النظام السياسي قي لبنان؛ يبدو لافتاً ان بربرا ليف مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية تقول في شباط ٢٠٢٣ للوفد النيابي اللبناني الذي ذهب إلى أميركا كي يعرف ماذا سيحصل في لبنان: اذهبوا وافعلوا مثلما يفعل العراق!؟؟
المقصود هنا أن الفيدرالية هي مشروع على قياس المنطقة، وليس على قياس لبنان، وهو قميص أكبر من لبنان، ولا يستطيع بلد الأرز ارتداءه، إلا إذا كان ذلك جزءاً من الثوب الفيدرالي الذي سترتديه كل منطقة المشرق، وذلك ابتداء من العراق الدولة الأكبر والأغنى والأهم في المشرق..
ثالثاً- ما يلفت النظر اليوم في طرح مشروع الفيدرالية هي الفذلكة السياسية التي تقدم له؛ وهي تقول أن أزمة لبنان تقع في الخلل البنيوي داخل مفهوم التعايش بين طوائفه؛ وفي الفوارق الثقافية والحضارية بين مكوناته الروحية، الخ.. وخطورة هذا المنطق أنه متسرع في إطلاق الحكم عن سبب أزمة بلد الأرز الراهنة؛ وهنا يجب إيضاح نقطتين اثنتين:
النقطة الأولى هي أن سبب الأزمة ليس اعتلال التعايش بين اللبنانيين، بل اعتلال الأحزاب المفترض أنها مؤتمنة على تجسيد التعايش بين قواعدها الاجتماعية من جهة، وداخل السلطة من جهة ثانية.. والواقع أن جانباً أساسياً من المشكلة الراهنة يكمن في “أزمة أحزاب الطوائف” التي أثبتت أنها لا تستطيع إدارة بلد غني ثقافياً كلبنان، بذهنية ذات بعد ميليشاوي متجسدة فيها من أيام دورها الطويل في الحرب الأهلية..
النقطة الثانية هي ولادة انطباع متسرع أو خطأ شائع لدى نخب مسيحية يفيد بأن أسرع طريق للتخلص من الطائف الذي بنظرهم هزم صلاحيات الرئيس الماروني، وأن أسرع طريق للتخلص من هيمنة حزب الله، هو طريق الفيدرالية، حيث يعود مال المسيحيين للمسيحيين!!.
لو كان هذا الاستنتاج صحيحاً، لكانت تجربة العيش بسلام داخل “الكانتون المسيحي” نجحت خلال الحرب الأهلية، وما كانت حصلت حروب الإلغاء المسيحية – المسيحية الدامية.. ولو كانت المشكلة هي فعلاً في الطائف، ما كان السلم الأهلي بدأ مع إنجاز اتفاق الطائف، وما كان عودة الاستقرار للإهتزاز قد بدأ مع عدم تنفيذ الجزء الأهم من اتفاق الطائف..