خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
أمس تجاوز سعر صرف الدولار الماية ألف ليرة لبنانية؛ وهذا يؤشر إلى أن النظرية التي سبق لها وقالت إن سعر الدولار لم يعد له سقف يقف عنده، لأن العملة اللبنانية لم يعد لها أية قيمة تستقر عليها؛ هي نظرية صحيحة. وهذا يعني أن الدولة ذاهبة لأن تفقد عملتها الوطنية، بعد أن فقدت قدرتها على تشغيل مؤسساتها في كافة القطاعات تقريباً.
والسؤال الذي لم يعد يحتمل عدم الإجابة عنه، هو عن كيفية وقف هذا المسار، وذلك في ظل ان أحزاب البلد تدعي وبقوة وبإصرار أنه لا علاقة لها بما يحدث للدولة، وبنفس الوقت ترفض بقوة وبإصرار أن تترك مواقعها المتحكمة داخل الدولة!!.
المشكلة التي لا علاج لها، لا تتعلق فقط بأن أزمة الاقتصاد، تفلتت من عقال الضبط ومن عقال الحل؛ بل تكمن أيضاً – وربما بالأساس – في أن أحزاب الطوائف لم يعد لها قدرة على إدارة الدولة، ولا حتى على إنتاج تسويات فيما بينها لتجديد إنتاج السلطة؛ وبالمقابل فإن المواطنين ثبت أنه ليس لديهم القدرة على إيصال دم جديد إلى السلطة كي تتم إدارة الدولة على نحو مغاير وإصلاحي وغير فاسد..
وبكل الأحوال فإن المسار الحالي المتصاعد والمكون من ثلاثية استمرار تراجع القيمة الشرائية لليرة اللبنانية من ناحية، والذهاب بنفس الوقت “لدولرة” الأسعار من ناحية ثانية، في حين أن موظفي القطاع العام يتلقون رواتبهم بالليرة اللبنانية من ناحية ثالثة؛ إنما يعني أن البلد ذاهب لحالة من المجاعة الفعلية أو المقنعة لنسبة عالية جداً من العائلات اللبنانية، ولحالة تجعل كل القطاع العام بمثابة قطاع يعاني موظفوه من البطالة المقنعة.
والسؤال هو من ينقذ موظفي القطاع العام من مجزرة المجاعة التي تتهددهم؛ وذلك في وقت أنه لا أحزاب الطوائف ولا النقابات تتموضع في خنادق تمثيل مصالح مئات آلاف موظفيه، بل هي عملياً تتموضع في خنادق الدفاع عن مصالح الطبقة الحزبية الفاسدة الممسكة بناصية إدارة حطام الدولة..
ويتوقع خلال الفترة المقبلة ان تتعاظم مأساة طبقة موظفي القطاع العام، وسوف يكون أول سؤال يطرح نفسه إزاء هذه الأزمة هو كيف تدافع هذه الطبقة الواسعة عن قوت عائلاتها، وذلك في ظل عدم وجود أحزاب أو نقابات حقيقة تمثل مصالحها..
وما يدعو للقلق وحتى للفزع هو أنه لا الحكومة ولا المجلس النيابي يبديان أي تحرك ولو لفظي أو شكلي تجاه ما يحدث؛ فكأن الحكومة حسمت أمرها بأنه لا يوجد من يحاسبها من قبل السلطة التشريعية التي أصلاً لا تنتخب رئيساً للجمهورية.. وأكثر من ذلك فإن الحكومة لم تعد معنية بموقف الناس منها، كونها حكومة ترى أن بقائها وعدم محاسبتها. أمران يستندان على استمرار رضا الأحزاب عنها، وليس رضا الشارع أو المواطنيين وبخاصة الفقراء منهم..
وبالعودة الى سؤال من يدافع عن موظفي القطاع العام في حال واجهوا خطر المجاعة، تبرز “المعطيات المتخيلة” التالية:
هناك بعض التخيلات أو السيناريوهات السياسية التي تتصور ان أخطر أزمة يمكن أن يواجهها البلد هو افقار القطاع العام لحد الجوع، كون ذلك سيؤدي إلى بروز “الوقائع البركانية” التالية:
الأول- انهيار مؤسسات الدولة التي يشغلها موظفو القطاع العام.. وهنا يدخل لبنان مرحلة فشل الدولة رسمياً وليس فقط عملياً..
الثاني- تأثر مؤسسة الجيش التي هي جزء من القطاع العام بهذا الانهيار، وحينها سوف يمكن تخيل احتمال ان يقود الحيش انتفاضة موظفي القطاع العام الذين يشكلون ثلث الطبقة العاملة في البلد، وربع الطبقة الوسطى، ويشكلون أيضاً نسيجاً اجتماعياً وطنياً مختلطاً من كل الطوائف.. ويرى هذا السيناريو انه يمكن تحت ضغط خطر المجاعة ان تتحرك اتتفاضة موظفي القطاع العام بقيادة الجيش، ضد الطبقة الحزبية الفاسدة المسيطرة على حطام الدولة. ولكن مؤخراً تراجعت بنظر البعض، احتمالات حدوث هذا “السيناريو المتخيل” وذلك بعد نجاح المعالجات الطارئة المالية والخدماتية التي قامت بها قيادة الحيش لتعزيز قدرة هذه المؤسسة على الصمود معيشياً ولو بالحد الادنى، ما قاد الى جعل الجيش لحد ما خارج خطر مواجهة احتمال المجاعة الداهم..
.. ولكن رغم هذا التطور إلا أن بعض المصادر لا تزال تعتقد بإمكانية تبلور مشهد حدوث نتفاضة موظفي القطاع العام الوطنية بقيادة الجيش، نظراً لأن الاخير (أي الجيش) يشكل القوة المنظمة داخل بنية موظفي القطاع العام، ويشكل القوة الأكثر قدرة على قيادتها وذلك لأنه الاقرب للتعبير عن مصالحها المعيشية كونه جزءا منها، وعن مصالحها لوطنية بوصفها القاعدة الاجتماعية للدولة الوطنية التي يجسد الجيش بتركيبته ودوره التاريخي مشروع حمايتها، وخاصة بعدما أصبحت أحزاب الطوائف هي احزاب سلطة الفساد المسؤولة عن الانهيار، وبعدما تحولت نقابات الموظفين إلى نقابات تحقيق مصالح قيادات الأحزاب المسؤولة عن افقار موظفي القطاع العام وكل البلد.
الثالث- يبقى هناك أمر آخر وهو ان يدفع الاستعصاء السياسي على مستوى انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى مستوى وقف تفلت الانهيار الاقتصادي من عقال أي معالجة، الى طرح حل أخير لمنع الانفجار، وهو الذهاب الى الانتخابات المبكرة، خاصة في ظل ان الانتخابات الأخيرة فشلت نتائجها في تحقيق هدف إعادة إنتاج السلطة..
والخلاصة من كل هذه السيناريوهات المطروحة تفيد ان البلد في حالة احتضار وأن المخارج مفقودة فيما الحلول المطروحة (انتفاضة القطاع العام بقيادة الجيش او الانتخابات المبكرة) يشوبها الكثير من الصعوبة في تنفيذها وذلك لأسباب موضوعية تتعلق بتركيبة البلد…