عديدة هي إجراءات المصارف المستجدة الساعية إلى لملمة أوضاعها على حساب المودعين وتذويب ما أمكنها من مطلوبات، إلا أن بعض ممارساتها فاقت كل التوقعات، بمخالفات صارخة ترقى إلى مستوى الاحتيال المنظّم.
وأحدث ممارسات الإبتزاز بحق المودعين، تلك التي يقوم بها مصرف سوسيتيه جنرال SGBL، الذي عمّم رسائل نصّية على عملائه من أصحاب حسابات التوفير، تخفي ابتزازاً واضحاً وتهديداً مقنّعاً بإغلاق تلك الحسابات. اما السبب الذي دفع بالمصرف إلى تلك الممارسات فهو حماية “رأسه” في المرحلة المقبلة.
أما الهدف الذي يدفع بـSGBL إلى الضغط على المودعين لإغلاق حسابات التوفير لديهم وسحب دفاتر التوفير منهم، فهو محاولة التهرب من المساءلة لاحقاً، والتخلّص من مستند يدين المصرف ويحفظ حق المودع. وحسب أبو زور، يحاول المصرف التهرب وسحب دفاتر التوفير الخاصة بالعملاء، لأن دفتر التوفير يعتبر سند تنفيذي مباشر أمام المحاكم. أي أنه يسمح للمودعين التنفيذ المباشر بوجه المصارف أمام المحاكم.
كما يعمد المصرف إلى تضليل المودعين بدفعهم إلى فتح حسابات جارية جديدة. وهي ما يمكن أن يوضع لاحقاً في خانة الودائع غير المؤهلة، حسب التوصيف الذي اعتمدته الحكومة في خطة التعافي، لكون تحويل الأموال إلى جارية تم بعد 17 تشرين الأول من العام 2019، أي بعد تفجر الأزمة المصرفية واحتجاز الودائع. وتصر رابطة المودعين على رفض هذا المبدأ “كونه تعسفياً، ويحمّل الكثير من المودعين والأجراء والموظفين ثمن الأزمة القاتلة”.
لا معايير
وإذ تكشف ابو زور عن ممارسات أخرى يقوم بها SGBL، تقضي بفرض عمولات كبيرة تصل إلى 100 دولار كل 3 أشهر، ومنها 100 دولار كل شهر، حسب نوعية الحساب المصرفي، تقول “لا معايير واضحة او قانونية للمصرف. فليس هناك من قانون يعطي الحق للمصرف باقتطاع عمولة على الوديعة بدل وجود الحساب”.
وتشرح إحدى أصحاب حسابات التوفير في SGBL (تتحفظ عن ذكر اسمها خوفاً من إغلاق حسابها كلّياً) كيفية تعامل المصرف معها كعميلة لديه منذ أكثر من 7 سنوات. وتقول في حديث إلى “المدن”، إن SGBL يمارس شتى أنواع الضغوط والاقتطاعات من حسابات التوفير، وتصل قيمة الاقتطاعات من حساب وديعتها، البالغة قيمتها نحو 30 ألف دولار، نحو 600 دولار بين عمولة 200 دولار واقتطاعات على السحوبات واقتطاعات بموجب التعميم 158. وتلفت إلى أنه حتى التعميم 158 بات غير ذي فائدة. فالأموال يتم سدادها من قبل المصرف بالتقسيط، ويتم احتجاز جزء منها من دون أي تفسير أو تبرير، حتى باتت العميلة عاجزة عن استعمال البطاقة المصرفية المسحوبة على المصرف بموجب التعميم 158 لشراء حاجياتها من السوبر ماركت.
بلا رادع
ممارسات قهرية يمارسها SGBL بحق مودعيه لدفعهم إلى إغلاق حساباتهم، وتذويب ودائعهم تدريجياً بشكل تام. وتسأل العميلة المذكورة “كيف يمكن تذويب أموالنا في المصرف، وهي حصيلة عمل سنوات لي ولزوجي في متجر صغير تعرّض مؤخراً للإفلاس؟”. معاناة العميلة تعكس معاناة المئات من المودعين وربما الآلاف في هذا المصرف، وهو ما يدفعهم إلى التقدم بشكاوى بحقه في مصرف لبنان وأمام لجنة الرقابة على المصارف.
عميل آخر في SGBL ألزمه المصرف بتسليم دفتر التوفير على أساس تحويل وديعته إلى حساب جارٍ. وتذرّع موظفو المصرف بعدم وجود نموذج لفتح حساب جارٍ، فألزم المصرف العميل بالتوقيع على ورقة بيضاء مدوّن عليها الجملة الآتية “أرجو تحويل حسابي من توفير إلى جاري”. خضع العميل لابتزاز المصرف، خوفاً من اقتطاع 900 ألف ليرة من حسابه البالغ 100 مليون ليرة، وهي “تحويشة عمره” على حد تعبيره. وعلى الرغم من تضاؤل قيمة وديعته من نحو 67 ألف دولار إلى أقل من 1000 دولار، يستمر SGBL بفرض عمولات ورسوم على صاحب الحساب بشكل دوري.
كثر هم العملاء الذين تلقّوا رسائل SGBL ومنهم من أبلغهم المصرف بأن تحويل حساب التوفير إلى جاري سيجنّبهم اقتطاع 200 دولار، ومنهم المودع الياس كوسى. لكن لا ضمانة لعدم رفع قيمة الاقتطاع من الحساب الجاري (الجديد) لأكثر من 13 دولاراً شهرياً. ويسأل كوسى: “ما المانع بأن يفرض البنك لاحقاً 20 دولاراً أو 30 أو ربما 50 دولاراً بدلاً من 13 دولاراً؟” فلا رادع للمصرف ولا أسس واضحة لتعاملاته.
استغلال كبار السن
أما ماريا، وهي عميلة لدى SGBL، فتكشف عن عمولات باهظة يفرضها المصرف على حساباتها وليس فقط على حساب التوفير. وتقول أن المصرف يحاول التخلّص من حساباتنا وعقودنا بشتى الطرق. يمارسون التهويل والابتزاز لدفعنا لإغلاق حساباتنا، ويقتطعون منها بعلمنا ومن دون علمنا، من دون مراعاة ظروف الناس الاجتماعية والصحية، مستغلين كبار السن وغير المطلعين على حيل وممارسات المصارف. فيمارسون عليهم الترهيب لإغلاق حساباتهم كلياً وقد نجحوا في العديد من الحالات، لكن لا بد من مواجهتهم، تقول ماريا.
ومن ممارسات المصرف تضليل العملاء. وهو ما حصل مع أحد عملائه العامل في أحد الأجهزة الأمنية، فقد أغروه عام 2017 باقتطاع جزء من راتبه الشهري وإيداعه في ما يسمى “قجة”. وكانت النتيجة أن وضع المصرف يده بعد الأزمة على ما أدخره العميل من راتبه، وبدأ يقتطع من حسابه 100 دولار شهرياً. وعندما رفض العميل، كان جواب المصرف “أغلق حسابك واحصل على شيك بقيمة المبلغ”. أما اليوم فيضع المصرف العميل نفسه أمام خيارين: إما اقتطاع 200 دولار شهرياً او إغلاق الحساب وفتح حساب جديد خاضع لـ13 دولاراً شهرياً. وفي عملية حسابية للعميل يمكن أن يخسر كامل وديعته خلال سنوات قليلة ويصبح كمن لم يدّخر شيئاً.
كيفية التعامل مع ممارسات SGBL
تحاول رابطة المودعين مواجهة ممارسات مصرف SGBL التعسفية الأخيرة، وتدعو المتضررين إلى التواصل معها لتوجيههم، والتقدّم بشكاوى سريعاً امام لجنة الرقابة على المصارف ولدى مصرف لبنان. وقد حضرت الرابطة نموذجاً عن الشكوى، في محاولة لمساعدة المودعين لممارسة ضغط أكبر على المصرف. وحسب عملاء SGBL، فقد سبق للمصرف أن أُلزم بالتراجع عن عمولات كان قد فرضها في وقت سابق على المستفيدين من التعميم 158، بفعل تكرّر الشكاوى بحقه أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.
من هنا، يصر أصحاب حسابات التوفير على رفع تلك الشكاوى والذهاب بها إلى القضاء إن استلزم الأمر، في سبيل إسقاط العمولات الجديدة والابتزاز بحق حسابات التوفير. أما الشكاوى بحق SGBL امام مصرف لبنان، فيمكن إرسالها إلى بريد مصرف لبنان أو وضعها باليد في قسم المراسلات في أقرب فرع لمصرف لبنان.
تتعدّد أساليب سرقة المصارف للمودعين، وتبقى الجريمة الأكبر تاريخياً هي احتجاز الودائع وسرقتها تدريجياً، عبر سداد جزء منها على أساس سعر صرف الدولار 15000 ليرة في حين يتجاوز سعر الدولار الحقيقي 100000 ليرة.
مضمون الرسائل
راسل مصرف SGBL مودعيه من أصحاب حسابات التوفير، يُعلمهم فيها بأنه سيتم اقتطاع 200 دولار من حساباتهم شهرياً أو 900 ألف ليرة، حسب عملة الحساب، فيما لو استمرت تلك الحسابات قائمة، مُرفقاً الإبلاغ بخيار يجنّبهم تلك الاقتطاعات، وهو إغلاق حسابات التوفير وفتح حسابات جارية جديدة. تلك الرسائل لاقت طبعاً استغراباً من أصحابها واستنكاراً لاقتطاع مبلغ 200 دولار شهرياً، في وقت يتم احتجاز أموالهم في تلك الحسابات، ولا يُسمح لهم التصرف بها، إضافة إلى أن تلك الحسابات تحمّلت خسائر ضخمة منذ بداية الأزمة المالية، بفعل ممارسات المصارف ومصرف لبنان وتواطؤ السلطة السياسية وانهيار الليرة.
قلّة من أصحاب الحسابات تجاوبوا مع بلاغ المصرف، وقرروا إغلاق حسابات التوفير وفتح حسابات أخرى، وإن كانت حسابات جارية، تجنّباً لاقتطاع ما يعادل 2400 دولار من الحساب سنوياً. في المقابل توجّه العديد من أصحاب حسابات التوفير في SGBL إلى رابطة المودعين والجمعيات المعنية بالدفاع عن المودعين في المصارف، طالبين الاستشارة قبل اتخاذ أي قرار بإغلاق حسابات التوفير.
الهدف من الاقتطاعات
برأي رابطة المودعين، فإن العمولات الضخمة المفروضة على حسابات التوفير من قبل SGBL غير قانونية، وتصل الى حد اعتبارها “سرقة لما تبقى من ودائع وتذويباً مقنعاً لها”.
وتوضح المحامية دينا ابو زور من رابطة المودعين، بأن الاقتطاع من حسابات التوفير 200 دولار شهرياً أو إغلاقها وتحويلها إلى حسابات جارية، وتقليص الحسم إلى 13 دولار شهرياً، يُعد ابتزازاً بامتياز من قبل مصرف SGBL.
وتحذّر أبو زور في حديثها إلى “المدن” من أن إغلاق حساب التوفير وإلزام المودع بعقود جديدة، يفتح الباب على مخاطر غير متوقعة. إذ لا يعلم المودع ماهية العقود الجديدة وما يمكن ان تتضمنه من بنود مُجحفة بحق أصحاب الحقوق.
المصدر:المدن
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*
.