الهديل

خاص الهديل: المنطقة دخلت تطبيقات فكرة المناطقية: “تصفيير المشاكل بين دولها المؤثرة “.. (١ من ٢)

خاص الهديل

 

https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers

 

ما يحدث في المنطقة يؤشر إلى أمرين استراتيجيين ما عاد يمكن لأي متابع أن يغفلهما خلال تحليل مستقبل أزمات المنطقة: 

الأمر الأول هو أن الشرق الأوسط دخل ما يمكن تسميته بتطبيقات “فكرة المناطقية” (من المنطقة) التي تعني أن على دول المنطقة أن لا تنتظر أن تأتي الحلول لمشاكلها من الخارج، أي من الدول الكبرى؛ وبخاصة من أميركا، بل عليها أن تبادر هي نفسها إلى حلها بالحوار و”التفاوض البيني”، واتباع الدول الإقليمية المؤثرة فيها سياسة “صفر مشاكل إقليمية” بين بعضها البعض.

والواقع أنه خلال أقل من عامين قطعت “فكرة المناطقية” في المنطقة شوطاً بعيداً لجهة تجسدها على أرض الواقع، بدليل بدء عملية تصفيير المشاكل بين دولها الإقليمية المؤثرة، حيث خلال العام الماضي حصل التقارب بين مصر وتركيا، وهذا العام بدأ التقارب السعودي الإيراني، وحالياً تتجه الأنظار لرصد متى يحصل التقارب بين القاهرة وطهران.. 

والواقع أن ذهاب دول المنطقة إلى تطبيقات “فكرة المناطقية” حصل نتيجة أسباب عديدة، أبرزها تأكد دول المنطقة المؤثرة وبخاصة العربية منها، من أن الولايات المتحدة لم تعد هي الحليف ذاته الذي كانت تعتمد عليه خلال فترة الحرب الباردة.. وعليه لم يعد يمكن للسعودية أن تنام استراتيجياً على وسادة “مبدأ النفط مقابل الأمن” الذي نظم العلاقة السعودية الأميركية منذ العام ١٩٤٥ واستمر لستة عقود متتالية.. وما يحدث من تطورات على هذا الصعيد، لا يعني أن الرياض تريد إدارة ظهرها لواشنطن، ولا أن واشنطن ما عاد يعنيها نفط السعودية ومكانة الرياض إقليمياً، بل يعني أن المصالح تبدلت أولوياتها كون التحولات الجيوسياسية أصبحت في مكان جديد يستلزم عدم بقاء الدول العالمية والاقليمية الكبرى في أمكنتها القديمة.

الأمر الثاني الاستراتيجي الذي ما عاد يمكن إغفاله خلال استعراض ما ينتظر أزمات المنطقة؛ يتمثل بأن تطبيقات “فكرة المناطقية” بدأت بالتبلور قبل نحو خمس سنوات؛ وذلك بعد عدة أحداث مفتاحية دللت نتائجها أنه بات على دول المنطقة “ان تنتهج سياسات تحمي أمنها، بدل أن تعتمد على تحالفات لحماية أمنها”.

..وأبرز هذه الأحداث التي قادت دول المنطقة المؤثرة لهذا الاستنتاج، كان تعرض السعودية لقصف طال أهم منشآتها النفطية العالمية، ومع ذلك لم تبادر واشنطن لتطبيق وعد كارتر المستند على اتفاق العام ١٩٤٥، والذي يقول أنه إذا تعرضت دول الخليج لأي تهديد فستعتبر أميركا ذلك أنه تهديد لمصالحها.  

وإذا كانت السنوات الخمس الماضية شهدت إرهاصات ولادة “فكرة المناطقية” لدى دول المنطقة المؤثرة، فإن حرب اوكرانيا جاءت لتحفز هذه الدول على البدء عملياً بتنفيذ تطبيقات “فكرة المناطقية” في سياساتها، بدليل موقف الرياض من مسألة إنتاج النفط، وموقف مصر البارد في تأييد رغبات واشنطن في الحرب الأوكرانية، وحتى موقف إسرائيل التي اختارت أن تبقى داخل مربع التوازن في سياستها بين موسكو وواشنطن في اوكرانيا. أضف لذلك موقف أردوغان الذي فضل الحياد الاستراتيجي بين بايدن وبوتين، رغم أن تركيا هي عضو في الناتو الذي يقود حرب أميركا في أوكرانيا. 

وكل هذه المواقف من الحرب الإقليمية أظهرت أن دول المنطقة المؤثرة حسمت خيارها باتجاه أن تدخل تطبيقات “فكرة المناطقية” التي تقول ثلاثة أمور إستراتيجية: 

أولاً- ان سياسات دول المنطقة هي التي تؤمن حماية مصالحها، وليس تحالفاتها – بالمعنى التبعي- للدول الكبرى.. 

ثانياً- ان دول المنطقة المؤثرة لن تتخلى عن علاقاتها مع أميركا، ولكنها لن تخوض معارك أميركا الأممية ضد روسيا والصين.

وثالثاً- ان دول المنطقة تتجه لتصفيير مشاكلها فيما بينها، وذلك بعد رحلة مع التصعيد كلفتها أثماناً باهضة وخسائر فادحة..

وفي هذه اللحظة هناك انتظار استراتيجي لمدى سلاسة الانطلاقة الأولى من تطبيقات قطار المناطقية، وخاصة خلال مساره داخل محطة اختبار الشهرين المفترض أن يتم خلالهما وصل ما انقطع ما بين الرياض وطهران طوال نحو عقد!! .. 

(غداً: أين موقع أزمة لبنان في تطبيقات فكرة المناطقية عن تصفيير المشاكل).

Exit mobile version