خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
سمحت كل من حرب اليمن ومن ثم حرب أوكرانيا لدول المنطقة المؤثرة بإجراء مراجعة لاستراتيجياتها السياسية، وقادها ذلك الى اعتماد فكرة المناطقية التي تعني أن حماية الاستقرار في المنطقة يعتمد على سياسات دول المنطقة، وليس على تحالفاتها الخارجية.. ويعني أيضاً أن على دول المنطقة أن تبادر لحل مشاكلها وعدم انتظار الخارج ليفعل ذلك بالنيابة عنها.. ويعني أيضاً وأيضاً “تصفيير المشاكل” بين دولها المؤثرة كما حصل بين مصر وتركيا العام الماضي وما يحصل الآن بين الرياض وطهران، وما هو متوقع حصوله بين القاهرة وطهران.
… ضمن هذه التحولات الجديدة يبرز سؤال كبير لدى اللبنانيين مفاده عن موقع لبنان داخل “فكرة المناطقية”(؟؟)، وكيف يمكن لبلد الأرز أن يفيد منها على مستوى استقراره وازدهاره، وما إذا كان لبنان موجوداً على لائحة “تصفيير المشاكل” بين دول المنطقة؟؟
يحق للبنان، وبالنظر لأسباب عديدة، أن يتوقع حصوله على نصيب من نتائج التقارب الإيراني السعودي، خاصة وأن هناك نظرية تقول أن كل واحدة من عمليات التقارب بين الدول الأهم في المنطقة والإقليم، يتوقع لها أن تترك انعكاسات إيجابية على أزمة معينة في المنطقة؛ وبموجب هذه النظرية فإن التقارب المصري التركي سيحدث تأثيراً إيجابياً على الأزمتين الليبية والسورية، أما التقارب السعودي الإيراني فسيكون له تاثيره الإيجابي بالضرورة على ساحتين اثنتين، الأولى هي اليمن التي تعطيها الرياض أولوية في هذه المرحلة. والثانية هي لبنان الذي يوجد فوق أرضه نفوذ سعودي وايراني موضوعي ولا إمكانية لتجاهله أو إهماله.
وفيما أن ملف الأزمة الليبية له ارتباط في جانب هام منه، بطبيعة العلاقات التركية المصرية وأيضاً بالوضع في سورية؛ فإن ملف الأزمة اللبنانية له ارتباط في جانب هام منه بالعلاقات الإيرانية السعودية، وأيضاً بالوضع في اليمن..
… وفي إطار هذا الترابط يلاحظ انه بالنسبة للسعودية فإن الوضع في اليمن له صلة بالوضع في لبنان، وذلك لجهة أن تجربة الحوثي في منطقة الخليج هي ذات تجربة حزب الله في منطقة المشرق؛ أضف الى علاقة تبادل الخبرات القائمة بين “صعدا” و”حارة حريك”.. وبالمقابل فإنه بالنسبة لمصر فإن الوجود التركي المباشر وبالواسطة على حدودها في ليبيا، يشبه دور حلفاء أنقرة في شمال سورية.
والواقع أن الفكرة الاساسية التي لا يمكن القفز عنها عندما تدخل المنطقة في تطبيقات “نظرية المناطقية”، هي أن دولها ستشهد عملية تسييل لتصفيير المشاكل، خاصة وأن معظم أزمات دول المنطقة لديها خلفيات إقليمية تفوق خلفياتها الداخلية. وبحال انفرجت العلاقات الإقليمية بين الدول المؤثرة، يؤدي ذلك تلقائياً إلى تبخر ثلاثة أرباع أسباب أزمات دول المنطقة الداخلية.
وتظهر هذه المقولة عاملاً هاماً وهو أن أزمة لبنان ستصبح بشكل تلقائي قابلة للافادة إيجابياً من عملية “تسييل تصفير المشاكل” الناتجة عن عملية التقارب السعودي الإيراني الجارية وفق تطبيقات “فكرة المناطقية”.. وسيحدث ذلك بشكل تلقائي وكرد فعل ميكانيكي كون عناصر الأزمة الداخلية في لبنان بجانب كبير منها، مشدودة بدرجة توتر أو انفراج أعصاب العلاقة الإقليمية الإيرانية السعودية.
أضف أن الشق الأمني يحتل حيثية أساسية من مجمل الاتفاق الشامل بين طهران والرياض، علماً أن معظم تطبيقات هذا الشق الأمني موجودة ساحاته في دول الاقليم التي فيها نفوذ متقابل إيراني وسعودي، ولبنان هو أهم هذه الساحات بعد اليمن.
وكل ما تقدم يقول أن السعودية في”مرحلة المناطقية”، لا يمكنها الانسحاب من ساحات المنطقة، خاصة تلك التي يوجد فيها تداخل بين بعدها العربي والنفوذ الإيراني؛ حيث أن هذه الساحات تحتاج لأن يتم السهر على حسن تطبيق الاتفاق الأمني السعودي الإيراني فوقها؛ لأنه في حال أدارت السعودية ظهرها لهذه الساحات، فإن ذلك سيهدد بعدم احترام ايران أو حلفائها لموجبات الاتفاق الأمني الإيراني السعودي، ما يهدد بعودة المشاكل بين طهران والرياض، انطلاقاً من هذه الدول التي يعتبر لبنان أبرزها.
بحسب المعلومات فإن التفاوض الإيراني السعودي ناقش بالعمق خمسة ملفات أساسية، وكان موضوع اليمن أحدها، ولم يكن موضوع الاتفاق النووي بينها.
… أما الملفات الأربع الباقية فأحاط الطرفان ماهيتها بالسرية؛ ما يعني أن القرارات حولها حساسة ويحتاج تنفيذها لدراية وتبصر وهدوء وفترات اختبار وإعادة الثقة بين الطرفين. وكل هذا يقود للقول أن المعلن من اتفاق الرياض – طهران هو أقل بكثير من المضمر؛ وهذا ما يفسر الجانب الرمزي المتعلق بمعنى إجراء هذه المفاوضات وراء جدار الصين المنيع..