خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
خلال الجمهورية الأولى برز خلاف على موضوع العطلة الأسبوعية في لبنان؛ فالمسلمون طالبوا بتثبيت عطلة يوم الجمعة بمقابل التوجه الرسمي الذي وراءه أطراف مسيحية أرادت جعل العطلة يوم الأحد وجعل السبت يوم عطلة أيضاً، بدل عطلة يوم الجمعة..
..وانقسم البلد حينها عامودياً إلى حزبين اثنين: “حزب يوم الجمعة” و”حزب يوم الأحد”!!
..واليوم وبنفس الأسلوب الطائفي المتعصب والغرائزي، وكأن الزمن في لبنان لا يتقدم، ينقسم اللبنانيون بين طائفتين كبيرتين وحزبين جرارين: طائفة أو حزب التوقيت الدولي، ويحتشد فيه اللبنانيون المسيحيون، وطائفة وحزب توقيت ميقاتي – بري ويحتشد فيه اللبنانيون المسلمون.
ومناسبة انقسام اللبنانيين على التوقيت الذي يجب اتباعه في لبنان، تؤكد على أمر هام، وهو أن لبنان بات “معمل توليد أزمات” حول كل شيء.. وتؤكد أيضاً على أن المعنى الطائفي عند اللبنانيين هو أقوى من أي معنى آخر في شخصيتهم المعنوية.
والواقع أن الخلاف على التوقيت في لبنان، هو بالأساس، خلاف على أمر ليس له أية مراديد إنتاجية في بلد بوضع لبنان الذي أصبح خارج الوقت الدولي والإقليمي؛ وأصبحت مؤسساته خارج الخدمة، وأصبح دوره بعد تفجير المرفأ، غير مدرج على توقيت التجارة العالمية.. وعليه لم يبق من مسألة التوقيت في لبنان، إلا أمراً واحداً له معنى، وهو صلاحيته لأن يشكل مادة إضافية للسجال الإنقسامي الطائفي.
إن الإعلام في لبنان لم يكتف بتغطية الخلاف بين حزبي التوقيت الشتوي الإسلامي من جهة، والتوقيت الدولي المسيحي من جهة ثانية، بل سبق الإعلام غرائز تطييف هذه المسألة، وراح يتصدر حملة معارضة إبقاء التوقيت على حاله..
وببساطة يمكن القول أن الخلاف الحاصل على التوقيت في لبنان هو أكثر من سخيف؛ وهو يصبح مهيناً عندما يتم اكسابه أبعاداً طائفية؛ ويصبح بلا معنى عندما نعلم أن مسألة توقيت الساعة تم اتباعه في العالم كي يلبي حاجات الدول الصناعية، وليس الدول المنهارة إقتصادياً كلبنان..
..ويصبح هذا الخلاف غير مفهوم حينما نستعيد الطريقة التي تم تظهيره فيها؛ حيث تحدث دولة رئيس مجلس النواب أمام الإعلام مع دولة رئيس مجلس الوزراء عن ضرورة إبقاء التوقيت الشتوي، نظراً لأننا في ظروف شهر رمضان، وما إلى ذلك من أسباب.
ظهر بري في الشريط المصور وكأنه يأنب ميقاتي، ويفرض عليه رأياً بأكثر مما هو يطرح عليه رأياً.
وربما هذا الشكل الذي خرج فيه قرار إبقاء التوقيت الشتوي سارياً، هو الذي استفز المسيحيين اللبنانيين، ويبدو أنه لمجرد أن الأخيرين استفزوا، فهذا بدوره حرض المسلمين على الرد بإعلان أنهم أيضاً استفزوا من استفزاز المسيحيين..
إن لعبة الانقسام الطائفي في لبنان تبدو سهلة الإستثارة؛ وهي أشبه بحفلة سيرك يلبس خلالها السياسيون ثياب رجال الدين الأبرار ، فيما يلبس خلالها المواطنون أقنعة باكية على فتات الغرائز والشبهات الفارغة..
..إنها حلقة مغلقة من الجهل الطائفي الذي يمنع اللبناني من أن يتطور ليصبح مواطناً، ويمنع البلد من الإرتقاء ليصبح وطناً..
وليس مستغرباً أن يخرج خلال هذه الفترة إلى النور مجموعة جديدة إسمها مجموعة المطالبة بالتوقيت الصيفي.. وهؤلاء يرجح أن يرفعوا شعار “كلن عدا نحن”؛ وبالمقابل سيشكل جماعة التوقيت الصيفي مجموعة ترفع شعار “كلن ما عدا نحن”؛ والواقع أن هذه الشعارات التي تقسم البلد إلى قسمين في حياتهم؛ إنما تهدف إلى أمر واحد وهو جعل الانقسام حول الوقت هو مقدمة للانقسام على الذات وعلى الجغرافيا..