الهديل

خاص الهديل: خطر التقسيم يتعاظم: قصة سياسات “الاعتذار” الإسلامي والشعار المسيحي “أريد أن أعيش وحدي”!! ..

خاص الهديل…

 

 

https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers

 

يحدث في لبنان تطورات غاية في الخطورة؛ وما يجعل هذه الأخطار تبدو مضاعفة لجهة التوقعات بخصوص مدى وقعها السلبي على البلد، هو غياب الإدراك لها، سواء من قبل المستوى السياسي وحتى الإعلامي.

ويمكن إدراج بعض هذه الأخطار التي يمر بها البلد من خلال الإشارة إلى التعبيرات التالية الناتجة عنها: 

تعبيرات الخطر الأول تمثلت بمشاهد الانقسام المسيحي الإسلامي بعد واقعة إقدام ميقاتي على مد العمل بالتوقيت الشتوي، ورفض المسيحيين له بوصفه قراراً ينم عن تفرد المسلمين بالسلطة (!!). 

.. بالعمق ما حدث يظهر أمراً أساسياً، وهو أن البلد قابل وجاهز لخيار التقسيم نفسياً وسياسياً، ولكن ما ينقصه للذهاب لهذا الخيار هو “السبب المباشر” و”الظرف المؤاتي”. 

.. وعليه يمكن القول أن الوحدة الوطنية الإسلامية المسيحية هي حالياً وحدة مفروضة على اللبنانيين ولم تعد خياراً حراً. وجاءت واقعة الأيام الثلاثة التي شهد فيها لبنان انقساماً زمنياً بين المسلمين والمسيحيين لتشكل “بروفا ناجحة” لقياس مدى إمكانية استجابة اللبنانيين لفكرة التقسيم على أساس طائفي فيما لو طرحت عليهم عملياً، وفيما لو توفرت لها الظرف الموضوعي الدولي المؤاتي، والسبب الحاسم المباشر. 

وما يجب التنبه له في هذا المجال هو أن دخول اللبنانيين فجأة في زمنين لأسباب طائفية، لم يكن بمثابة حدث لم تسبقه مقدمات، ولم يكن ردة فعل عصبية، بل كان ردة فعل إرادية وعن سابق تصميم وادراك.. فقبل هذا “الحادث” بين المسلمين والمسيحيين، وليس الحدث، كانت جرت حوادث عدة أقل حدة على ما يمكن تسميته بـ “اوتوستراد التقسيم” المفتوح على أكثر من خط سير منذ فترة في لبنان.. فخلال الأشهر الماضية كان يمكن بسهولة ملاحظة أن الإعلام المرئي فتح شاشاته لاستضافة منظري الفيدرالية والكونفرالية وحتى التقسيميين.. ووجد هؤلاء ترحيباً إعلامياً وسياسياً وشعبياً بآرائهم، وتم وضعهم داخل إطار أنهم يقولون ما يريده جزء كبير من اللبنانيين، ولكنهم لا يعبرون علانية عنه. 

… وفي هذه الغضون بدأ شعار “نريد أن نعيش لوحدنا” يبرز أكثر فأكثر في الشارع المسيحي.. وبدأ يتم النظر إلى هذا الشعار بوصفه يتضمن الحل الذي يؤمن للمسيحي الخروج لوحده من أزمة الانهيار المعيشي والوجودي التي يعيشها البلد، طالما أنه لا يمكنه تأمين الحل للخروج مع شريكه المسلم، وبخاصة الشيعي، من الأزمة. 

وفي البداية تغذى هذا الشعار من بروز اعتراضات عملية، كمثال القول أن المجتمع المسيحي يدفع للدولة فواتير الكهرباء والماء فيما المكلف المسلم في الضاحية والبقاع والجنوب والشمال لا يدفع مقابل خدمات الدولة.. وبالتالي لماذا على المسيحي أن يدفع لدولة لا تأخذ الضرائب إلا منه، بينما يحصل جميع مواطني الدولة على نفس الخدمة.. 

وخلال فترة أخرى برزت مقولة أن هناك طريقتي تفكير في لبنان حول كيف يريد اللبناني أن يعيش (في الحرب أو السلم) ومع من يريد التعاون (الغرب أم الشرق).. وتم تقديم هذا التباين في التفكير على أساس أنه يعبر عن “خلاف” وليس عن “اختلاف”، ويعبر عن “افتراق” وليس عن “فوارق”.

ورغم أن بيانات الحكومة تتحدث عن شعب وجيش ومقاومة، إلا أنه خلال الفترة الماضية اعترضت فئة من منطقة لها سمة طائفية محددة، مجموعة من رجال المقاومة من حزب الله وهي عائدة من عملية إطلاق صواريخ ضد إسرائيل. وبرر هؤلاء تصرفهم هذا بأنهم لا يريدون للمقاومة أن تعمل انطلاقاً من أراضيهم، لأنهم لا يريدون أن تدفع منطقتهم وطائفتهم ثمن خيار المقاومة الذي يسير به حزب الله ومعه الشيعة.

لقد تم في حينه تطويق ذيول هذه الواقعة رغم أن خطورتها تتعدى مسألة تأييد مقاومة حزب الله من عدمه.. ولكن اتصالاً، ولو بشكل غير مباشر، حدث بعد فترة إطلاق نار على تظاهرة قيل أن حزب الله نظمها، وذلك عند دخولها حي عين الرمانة المسيحي؛ وتم تبرير ذلك بأن سكان الحي يرفضوا تحديهم من قبل حزب أو طائفة تمارس فائض القوة عاى الطوائف الأخرى.. 

وتم أيضاً حينها تطويق ذيول هذا الحادث الجديد على “اوتوتستراد التقسيم”، رغم عدم معالجة جذورها الخطرة، ورغم محاولات شعبية جرت في أثرها لتصحيح الوضع، وذلك من خلال “تظاهرات محبة” نظمها أبناء حيي الشياح الشيعي وعين الرمانة المسيحي. 

وثمة حوادث متفرقة عديدة كانت تحدث طوال الفترة الأخيرة بشكل يومي على “اوتوتستراد التقسيم”، وجميعها كانت تمر من دون الالتفات إليها بمسؤولية؛ حتى أصبحت الحوادث التلفزيونية والسياسية والحياتية التي تحصل على “اوتوتستراد التقسيم” عادية، وشبيهة بحوادث السير التي تحصل يومياً على طرقات لبنان.  

التعبير الثاني اللافت عن الأخطار التي تهدد البلد، تمثل مؤخراً بحقيقة أنه بظرف أقل من أسبوع واحد، قدم المسلمون في لبنان، ومن خلال أعلى مرجعيتين لهم في الدولة، اعتذارين اثنين للمسيحيين عن تصرف صدر عنهما أو عن اتباعهما عن غير عمد، يسيء للوحدة الوطنية وللشراكة الميثاقية مع المسيحيين.. والمقصود هنا تراجع ميقاتي أول أمس عن قرار مد العمل بالتوقيت الشتوي، وهو تراجع له مفعول الاعتذار للمسيحيين الذين اعتبروا قراره مناقض لموجبات الوحدة الوطنية والشراكة الميثاقية مع المسيحيين؛ وأيضاً إقدام علي حسن خليل مدفوعاً من نبيه بري بالاعتذار أمس من سامي الجميل تحت عنوان أن خليل لم يقصد “الإساءة للمقدسات” التي ادعى الجميل أن خليل مس بها.

اللافت هنا ليس فعل الاعتذار بحد ذاته، ذلك أنه إذا كان هذا الاعتذار يمنع فتنة فهو فعل حميد ومطلوب، ولكن اللافت هنا هو أن المسلمين يتصرفون بطريقة توحي وكأنهم يقبلون التهمة الموجهة لهم من قبل قوى مسيحية، وخاصة من باسيل، بأنهم يمارسون سياسات لا تراعي الشراكة مع المسيحيين.. ويبدو أن هذا الأمر تراكم لدرجة أنه خلق لدى المسلم “حساسية ذنب” من توجيه النقد له بهذا الخصوص، وخلق عند المسيحي قابلية لتعليق أي تصرف إسلامي معه، على شماعة أنه معاد للشركة الوطنية ومبرر للمطالبة أكثر من قبله بشعار “أريد أن أعيش لوحدي”.  

والواقع أن “حساسية الذنب” لدى المسلمين هي حالة مرضية وليست حالة وطنية، تماماً كما أن تعاظم رغبة المسيحي بالعيش وحيداً هي حالة مرضية، وبطبيعة الحال ليست حالة وطنية.. وعليه بات المطلوب الاعتراف بالمشكلة حينما تحصل ومعالجتها “على كعبها” كما يقول المثل اللبناني، وعدم الالتفاف عليها وترك “اوتوتستراد التقسيم” مزدحماً بالحوادث اليومية التي ستؤدي في النهاية إلى تفجير وحدة البلد..

Exit mobile version