الهديل

الدولار الضعيف – من المستفيد ومن المتضرر؟

يعتبر الدولار الأميركي الورقة النقدية الأقوى والأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي، وهو يحمل لقب العملة الاحتياطية الأولى في العالم، حيث إن ما يقرب من ثلثي الاحتياطيات التي تحتفظ بها البنوك المركزية في العالم، هي بالدولار.

 

ورغم أن الدولار الأميركي هو العملة الرسمية للولايات المتحدة الأميركية، فإنه أيضاً من أكثر العملات تفضيلاً من قبل الشركات والأفراد في جميع دول العالم، وهذا ما ساعد في إحكامه قبضته على النظام النقدي الدولي، وجعل منه العملة الأكثر تداولاً على مستوى العالم.

 

وللدولار الأميركي أهمية كبيرة في التجارة العالمية، فهو العملة الأولى المعتمدة في تمويل المبادلات التجارية الدولية، حيث إن أكثر من نصف قيمة الصادرات في العالم، تسدد بالدولار الأميركي وعلى رأسها النفط الخام، نتيجة لما يتمتع به من قوة وحصانة، دون أن ننسى أن العديد من دول العالم، تربط عملاتها بالدولار الأميركي، وبالتالي فإن أي تغيّر في قيمة العملة الأميركية يكون له تأثير عالمي.

ومنذ عام 1973 وصولاً إلى يومنا هذا، يتم استخدام مؤشر الدولار الأميركي (USDX) لقياس قيمة العملة الأميركية مقارنة بسلة من العملات، ويقارن المؤشر حالياً الدولار الأميركي بـ 6 عملات أجنبية هي اليورو، الين الياباني، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الكرونة السويدية، الفرنك السويسري.

 

وباستخدام مؤشر الدولار USDX يمكن لكل من المصدرين والمستثمرين، الاستفادة من التحركات في قيمة الدولار الأميركي مقابل سلة العملات العالمية، حيث يرتفع مؤشر الدولار إلى الأعلى عندما يكون الدولار قوياً أمام العملات الأخرى والعكس صحيح.

 

وقد عانى مؤشر الدولار الأميركي انخفاضات قاسية الأسبوع الماضي، بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، رفع الفائدة بواقع 25 نقطة أساس فقط، وهو ما وصل إلى مستويات 101 نقطة، ولكن الوضع تغير بداية هذا الأسبوع، حيث أغلق المؤشر يوم أمس قرب مستويات 102.3 نقطة، وذلك بدعم من تهدئة مخاوف المستثمرين، بشأن تفاقم أزمة القطاع المصرفي في الولايات المتحدة وأوروبا، في إشارة إلى بلوغه نحو 114 نقطة في سبتمبر من عام 2022.

ومع ذلك فإن الخسائر التي تكبدها الدولار منذ بداية شهر مارس 2023 وحتى الآن، تتجاوز نسبتها الـ 1.5 في المئة، فماذا يحصل في الأسواق عندما يضعف الدولار ومن هو الخاسر والرابح من هذا التراجع؟

 

المصدرون ومقدمو الخدمات مستفيدون من تراجع الدولار

 

يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في ATA Global Horizons علي حمودي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المستفيد عادة من انخفاض مؤشر الدولار، هم المصدرون في الولايات المتحدة، فتراجع العملة الأميركية ينعكس ارتفاعاً بحجم الصادرات الأميركية، التي تصبح أرخص من السابق بالنسبة للدول المستوردة، كما أن مقدمي الخدمات في الولايات المتحدة، الذين يقدمون خدماتهم خارج البلاد، يستفيدون من تراجع الدولار، مشيراً أيضاً إلى أن السلع مثل النفط والذهب والقمح وغيرها، من المنتجات الأساسية والاستثمارية، التي يتم تسعيرها بالدولار تصبح أرخص من السابق، بالنسبة لحاملي العملات الأخرى خاصة في الدول الناشئة.

استفادة الدول المدينة بالدولار

 

وبحسب حمودي فإن الدول التي لديها ديون مقومة بالدولار الأميركي، تستفيد من تراجع العملة الأميركية، وذلك مع تراجع خدمة هذه الديون، حيث تصبح كلفة حصول هذه الدول على الدولارات مقابل عملاتها المحلية أقل من السابق، كما أنه مع تراجع الدولار تصبح الولايات المتحدة، وجهة سفر أرخص وأكثر جاذبية للسياح القادمين من كندا وأوروبا والمكسيك.

 

ضعف الدولار يعزز القدرة التنافسية

 

من جهته يقول المحلل المالي د. محمد أبو الحسن، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ضعف الدولار يعزز القدرة التنافسية الدولية للمنتجين الأميركيين، فهو يعطي ميزة تنافسية للمنتجات الأميركية في الأسواق الخارجية، عن مثيلاتها من المنتجات الآسيوية والأوروبية، وبالتالي تكون الشركات الأميركية التي تعتمد على المبيعات في الخارج، هي الرابح الأكبر من هبوط الدولار.

 

الدولار الضعيف يرفع السلع المستوردة

 

ويضيف أبو الحسن، أن الدولار الضعيف من شأنه أيضاً أن يرفع أسعار السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهذا ما سيدفع المستهلك الأميركي للاتجاه إلى البضائع المصنعة محلياً، وهو ما يفيد المنتجين الأميركيين المحليين، وأيضاً يخفف من العجز في الميزان التجاري الأميركي، فمثلاً عندما ينخفض الدولار تصبح قيمة استيراد البضائع من اليابان مرتفعة بالنسبة للأميركيين، ولذلك يتم اللجوء إلى السلع المحلية.

 

ويرى أبو الحسن أن الدولار الضعيف، يضر بالاقتصادات التي تعتمد على الطلب الخارجي مثل أوروبا، فتصبح صادراتها أعلى سعراً وأقل قدرة على المنافسة مقارنة بالسلع الأميركية، مشيراً إلى أن تراجع العملة الأميركية، يعني أن كل شخص يحمل دولارات، هو بمثابة خاسر وذلك مع تراجع قيمة أمواله.

 

أزمة ثقة

 

من جهته يرى الخبير الاقتصادي نايل الجوابره، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه رغم اعتبار ظاهرة انخفاض الدولار، وسيلة مقصودة لتعزيز القدرة التنافسية للصادرات الأميركية، على حساب صادرات الدول المنافسة، فإن ما يحدث للدولار في الوقت الحالي، هو أزمة ثقة بسبب أزمة البنوك في الولايات المتحدة امتداداً إلى أوروبا، مشيراً إلى أنه رغم كون الدولار الأميركي ملاذاً آمناً، إلا أنه في ظل الهزة التي تعرضت لها الأسواق المالية الأميركية، اتجه الكثيرون نحو ملاذات آمنة لها قيمة ملموسة، مثل الذهب.

Exit mobile version