كتب عوني الكعكي:
لم تكن إيران وميليشياتها في وضع أسوأ إعلامياً وشعبياً مما هي عليه الآن بعد الأحداث الأليمة التي تجري داخل الضفة الغربية المحتلة أو حتى داخل غزة، وبخاصة اقتحام ساحات المسجد الأقصى الشريف أمام أعين العرب والمسلمين كافة.
لقد غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من عنتريات إيران وفيالقها وشعاراتها البالية.. فعلى الرغم من انتهاكات اسرائيل المتكرّرة لحقوق الانسان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة واستباحة حرمات المسلمين تنشغل إيران بالمفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل لإعادة العمل بالاتفاق النووي الذي ألغاه الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وكأنها تقول للفلسطينيين: “اتركونا بحالنا، اللي فينا بيكفينا”.
كل هذا يجعلنا نتساءل بشكل أوتوماتيكي: وماذا عما سُمّي بـ”فيلق القدس”؟ أليْس من مهمته الدفاع عن القدس، أم انه خاض كل معاركه في سوريا والعراق واليمن ضد السوريين واليمنيين والعراقيين بعيداً عن القدس؟
ونتساءل أيضاً: لماذا تاه الفيلق المزعوم بين الرقة ودير الزور؟ بل لماذا لم يجد طريقه الى القدس زهرة المدائن؟
لا شك في ان الايرانيين يشعرون بحساسية الوضع في فلسطين، وهم يتابعون مواقع التواصل وردود الفعل وسخريتها من العنتريات الايرانية.
وأتساءل أيضاً: هل ما زال هناك من يسأل، ماذا قدّم “فيلق القدس” للقدس وأهلها؟ وهل هناك من يجرؤ على قول كلمة الحق… حقاً إنه ابتزاز إيراني رسمي لحركة حماس للتلطّي وراءها بحجة انها تمدّها بالسلاح.
ولأذكّر بتأسيس “فيلق القدس” أصلاً… حين سعت طهران في اثناء حرب الخليج الأولى الى تحسين صورتها في العالمين العربي والاسلامي، وكسب تأييدهما من خلال إثارة المشاعر من خلال قضيتهم الأولى فلسطين، فأسّست ما يُسمّى بـ”فيلق القدس”، الذي كان ظاهره تحرير فلسطين وبخاصة القدس، لكن السبب الحقيقي لتأسيسه هو تنفيذ المهمات الارهابية الخارجية وتشييع السنّة.
ومنذ تأسيسه خاض فيلق القدس الايراني حروباً في العديد من الدول العربية، حيث شارك في تظاهرات البحرين، وهدّد قائده حكومة المنامة بدفع الثمن لإسقاط الجنسية البحرينية عن رجل الدين عيسى أحمد قاسم، كذلك شارك “الفيلق” في الحرب السورية، واعتبر قائد فيلق القدس قاسم سليماني أن تدخّل إيران في العراق وسوريا هو مصدر للاستقرار والأمن.
هذا من جهة.. أما من جهة ثانية فإنّ المتابع لشأن العلاقات الايرانية – الاسرائيلية يجدها قديمة ومتجذّرة بين الطرفين منذ انقلاب الخميني.. وهناك أدلة وبراهين كثيرة على عمق العلاقات الايرانية – الاسرائيلية، فمنها ما كُشف عنه من التعاون الحثيث اثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، حيث أظهرت الوثائق التاريخية أنّ جسراً من الأسلحة كانت تأتي الى إيران من أميركا عبر الكيان الصهيوني، وأنه كان هناك تعاون بين الأطراف الثلاثة منذ بداية الحرب العراقية – الايرانية.
وفي واقعة أخرى مماثلة وبالتحديد في 18 تموز عام 1981 انكشف التعاون الايراني – الاسرائيلي في المجال العسكري، عندما تمكنت قوات الدفاع الجوّي السوڤياتي من إسقاط طائرة أرجنتينية، تابعة لشركة “أروريو بلنتس” ضلّت طريقها ودخلت الأجواء السوڤياتية، وكانت هذه الطائرة تتنقل بين الكيان الصهيوني وطهران محمّلة بالسلاح. وكشفت صحيفة “التايمز” البريطانية وقتها تفاصيل دقيقة عن هذا التعاون العسكري الصهيوني – الايراني.
وبالعودة الى حزب الله اللبناني الذي يتلقى باعتراف أمينه العام أموالاً طائلة لعناصره وأسلحة فتاكة من الجمهورية الاسلامية بلا حدود. إنّ هذا الدعم المالي الخيالي لم يكن يوماً مجانياً، بل تُرْجى منه خدمة أجندة إيرانية في المنطقة وفي باقي العالم الاسلامي، عن طريق مساعدة “الحزب” لتنفيذ هذه الأجندة الايرانية بالتمام والكمال لتشييع السنّة والضغط عليهم وتنفيذ أوامر طهران.. وأكبر دليل على ما أقول سهولة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. وهذا الترسيم الذي جاء اعترافاً أكيداً بدولة إسرائيل، مما صدر من مزاعم ضد هذا الاعتراف.
أما “حماس” المدعومة هي الأخرى من إيران، فإننا نتساءل هنا أيضاً وأيضاً… ماذا فعلت هذه الحركة لتحرير القدس بعد انفصال غزة عن السلطة الفلسطينية؟ ولماذا لم تعد الوحدة بين حماس والسلطة رغم الاتفاق مع المرحوم الملك عبدالله؟
هذا غيض من فيض من الحركات والأحزاب التي تنفّذ أوامر ولاية الفقيه في طهران… فهل يجرؤ أحد بعد هذا كله… أن يدافع عن الذين زعموا أنهم أُنْشئوا أصلاً لتحرير القدس؟.. وهنا أتساءل بدوري عن موقف العرب والمسلمين في مختلف أمصارهم وأقطارهم؟
بصراحة ووضوح أكثر، لقد بدأت القدس تضيع وسط جعجعة أطلقها الكثيرون، ولم نصل الى تقدّم ولو بسيط لاستعادة الأقصى المبارك من أيدي محتليه… إننا برأيي نسمع “جعجعة”، لكننا لم نرَ طحنها حتى هذه اللحظة.