الهديل

خاص الهديل: صواريخ فلسطينية ورسائل حزب الله: “بدء تطبيقات وحدة جبهات المقاومات”..

خاص الهديل:

أخطر ما واجهه بنيامين نتنياهو أمس هو أنه اضطر لأن يعترف لأول مرة بوجود بدء تطبيقات عملية لنظرية وحدة الجبهات بين لبنان وغزة واتصالاً مع سورية وحتى اليمن التي كانت أعلنها حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي منذ أيام ترامب. فنقاشات أعضاء الكنيست المفتوحة على الاعلام أمس، ركزت جميعها على ضرورة قيام إسرائيل “برد مزدوج” في غزة وفي لبنان؛ بالنظر للارتباط القائم بين حماس المدعومة من حزب الله، التي أطلقت الصواريخ من لبنان، وحماس التي أعطت القرار بذلك، والموجودة في غزة. 

وتقصدت إسرائيل أمس الحديث عن تكبير دور حماس في الهجمة الصاروخة التي انطلقت من لبنان، والتقليل لأقصى حد من تسليط الضوء على دور حزب الله فيها. والهدف الاسرائيلي من ذلك هو تجنب الاعتراف بأن الأمين العام لحزب الله نجح في تطبيق نظريته التي أعلنها منذ أيام ترامب عن “وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل”، وتجنب الاعتراف بأن أولى إشارات هذا النجاح بدأت مفاعيلها العملية بالهجمة الصاروخية التي حصلت أمس من لبنان باتجاه الداخل الاسرائيلي. 

والواقع أنه لم يكن خافياً أمس ان الهدف من إطلاق أكثر من ثلاث دزينات من الصواريخ من جنوب صور باتجاه الجليل الغربي المحتل، هو إطلاق أوضح رسالة لإسرائيل بأن حروب وحدة جبهات المقاومة ضدها بدأت، وأن عليها التعامل جيوسياسياً منذ اليوم مع هذه الحقيقة؛ وهذا الأمر تأكد عملياً أمس، حتى لو أن حزب الله لم يؤكد عليه نظرياً عبر إصداره بياناً يؤكد هذا المعنى، أو من خلال خروج نصر الله أمس على الاعلام ليهدد بأن الصواريخ الفلسطينية التي انطلقت من لبنان هي بالتنسيق مع حزب الله ومحميه من حارة حريك.

وقصاري القول أنه وصلت أمس رسالة نصر الله حول بدء العمل بتطبيقات وحدة جبهات المقاومة من خلال ثلاثة أمور واضحة: 

الأمر الأول هو ان هجمة الصواريخ الـ٣٢ الفلسطينية جاءت بعد سلسلة لقاءات تم تسريبها للإعلام بين نصر الله وبين أعلى مستويات في قيادات الجهاد الإسلامي وحماس، وأيضاً بعد مضي أقل من ٢٤ ساعة على زيارة اسماعيل هنية للضاحية الجنوبية.. وهذا الحراك الفلسطيني مع حارة حريك والذي تم تقصد تسريبه للإعلام؛ إنما مهد لأن يتم النظر سياسياً لمشهد القصف الفلسطيني أمس من لبنان، على أنه نتيجة قرار اتخذ على أعلى مستوى بين حماس وحزب الله وحتى الجهاد الاسلامي. 

الأمر الثاني الذي يوضح ان إطلاق الصواريخ الفلسطينية من لبنان أمس، كان هدفه الإشارة إلى بدء معركة وحدة جبهات المقاومة؛ هو عدد الصواريخ الذي تم إطلاقه، والذي تجاوز الثلاثين صاروخا. وهنا احتسب صانعو القرار أهمية الرمزية السياسية لعدد الصواريخ، وأهمية الرمزية السياسية لنوعية هذه الصواريخ، وليس أهمية مدى تأثيرها العسكري والتدميري. 

.. فبالعادة كان لبنان كما الأردن وكما أحياناً سورية وحتى كما منطقة سيناء في مصر، تشهد عمليات قصف بضع صواريخ كاتيوشا باتجاه فلسطين المحتلة كرد فعل على تجاوزات اسرائيلية قاسية ومجرمة تحدث ضد المسجد الأقصى أو ضد المقدسيين الفلسطينيين أو ضد قطاع غزة.. وكان عدد هذه الصواريخ القليل ونوعيتها البدائية، تسمحان بما لا شك فيه، بوصف هذه الهجمات على أنها أعمال فلسطينية أو إسلامية فردية وعفوية. أما أمس فلقد تم تقصد جعل عدد الصواريخ يتجاوز الثلاثين صاروخاً حتى لا يبقى هناك أي مجال للشك بأن الهجوم غير مخطط مسبقاً وأنه ليس عفوياً وأنه ليس عملاً فردياً بل تقف وراءه جهات وازنة وفاعلة، وهي حزب الله كحام وحماس كمنفذ والجهاد الاسلامي كمستعد للمؤازرة..

وضمن هذه الجزئية لفت حدث أمس الانظار إلى أن منطقة جنوب لبنان استعادت مشهد أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي، حينما كانت تجري حروب الكاتيوشيا بين الفصائل الفلسطينية في لبنان وبين اسرائيل، وحينها كانت ساحة المعركة بين الطرفين تمتد على البقعة الجغرافية ذاتها التي امتدت عليها مواجهة أمس؛ أي فوق المنطقة الممتدة من جنوب مدينة صور حتى نطاق الجليل الغربي المحتل؛ وبضمنهأ بخاصة مستوطنة نهاريا التي كان لها رمزية في مثل هذه المواجهات استعادتها أمس، وذلك من خلال انها كانت أول وأكبر مستوطنة في الجليل الغريي تفتح ابواب ملاجئها، وذلك درجا على نفس عادتها حينما كان الفلسطينيون قبل خروجهم من لبنان يطلقون صواريخ الكاتيوشا على الجليل الغربي…

 .. وحتى داخل هذه الجزئية، بدا لافتاً أن السفير الأميركي في إسرائيل أمس تعاطى مع هجمة الكاتيوشا من لبنان بنفس تصريحات سفراء أميركا خلال سبعينات القرن الماضي، حيث طلب من مواطني بلده المقيمين في إسرائيل الإبتعاد عن الحدود الشمالية مع لبنان مسافة تساوي عملياً مدى صاروخ الكاتيوشا أو صاروخ الـ”غراد المعدل”.. 

والسؤال اليوم لم يعد عن مدى انخراط حماس وحزب الله بمشروع وحدة جبهات المقاومة والتساند المتبادل، بل أصبح السؤال هو ماذا سيكون الموقف فيما لو دخلت تطبيقات توحد حرب جبهات المقاومة في المرة التالية مرحلة أكثر تطوراً؛ وذلك من قبيل أن تستبدل حماس أو الجهاد أو كليهما في هجماتهما المقبلة من لبنان المنسقة مع حزب الله، والمتزامنة مع أحداث في القدس وغزة، صواريخاً أكثر تطوراً وتتمتع بقوة رمزية وتدميرية بنفس الوقت؛ بدل استعمالهما صواريخ الكاتيوشا التي لها قوة رمزية وليست تدميرية؟؟.

وماذا لو تزامنت الهجمات الصاروخية بنفس الوقت من لبنان ومن غزة؟؟.

ولقد كان حدوث مثل هذا السيناريو قبل حدث أمس؛ بمثابة احتمال وارد لحد ما؛ أما اليوم فهو لم يعد احتمالاً بل أصبح حدثاً موجوداً على أجندة التطورات المقبلة المرتقبة.

الأمر الثالث الذي أكد أمس ان هجمة الصواريخ الفلسطينية من لبنان تعني تحديداً ان تطبيقات “إستراتيجية وحدة جبهات المقاومات” بدأت، تمثل بأنه ليل يوم الأربعاء انطلقت صواريخ من غزة إلى غلافها المحتل رداً على انتهاكات إسرائيل في المسجد الأقصى؛ وفي اليوم التالي انطلقت صواريخ من لبنان باتجاه الجليل الغربي المحتل رداً على الحدث نفسه؛ أي انتهاكات إسرائيل في المسجد الأقصى.. 

إن الرسالة وصلت أمس لتل أبيب التي حاولت عن سابق إصرار على الاكتفاء بالاعتراف الرمزي بمضمونها، وذلك من خلال صياغة “الرد المزدوج على لبنان وغزة في آن واحد” ضمن عملية واحدة أطلقت عليها تل أبيب تسمية “اليد القوية”.. ولكن نتنياهو كان حريصاً أمس على إطلاق رد مزدوج عسكري رمزي من دون ان يترافق ذلك مع رد سياسي مزدوج واضح؛ ولذلك حصر قرار الرد بالأجهزة الأمنية ولم يشرك بنقاشه وزراء اللجنة المصغرة. وكل هذه المعطيات التي ظهرت أمس في إسرائيل تقول أمراً واحداً وهو أن نتنياهو قرر تأجيل الرد الفعلي السياسي والعسكري على رسالة أمس إلى وقت استراتيجي يناسب إسرائيل، وهو غير متوفر الآن بالنظر لكونها منهكة هذه الفترة بانقساماتها الداخلية وبخلافاتها مع حليفها الأميركي الاستراتيجي…

Exit mobile version