الهديل

خاص الهديل: إستراتيجية الموساد: إسقاط نتنياهو ومن ثم الحرب في الصيف على نصر الله؟؟

خاص الهديل:

 https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers

زيارة اسماعيل هنية لبيروت، ولقائه أمس بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله على رأس وفد عالي المستوى من حركة حماس، إنما يظهر جانباً من الصورة المرتبطة بصلة لبنان مع تطورات احداث المنطقة، وبضمنها النتائج المحتملة للاتفاق السعودي الإيراني على أزمات لبنان من جهة، وموقع لبنان داخل الأحداث المحتدمة في المسجد الأقصى وداخل الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية من جهة ثانية؛ وصلات لبنان بالحرب الأمنية وشبه العسكرية الجارية بين تل ابيب وطهران على مستوى الإقليم من جهة ثالثة. 

والواقع أن الإعلام الإسرائيلي عرض أمس صورة لقاء نصر الله وهنية وفوقهما صورة خامنئي، بوصفها جزء يحرض على استعار السجال السياسي الداخلي في إسرائيل بين نتياهو ومعه اليمين بكل اطيافه، وبين رئيس وزراء الحكومة السابق يائير لابيد ومعه كل البيئات المعارضة لنتنياهو.. فالأخير اعتبر أن لابيد ومن معه يجب أن ينظروا إلى صورة هنية ونصر الله وذلك من زاوية أن انتقادهم لحكومته وتنظيم التظاهرات ضدها، تضعف موقف حكومة إسرائيل التي تقاتل على خمس جبهات، وبينها جبهة هنية نصر الله في لبنان وغزة؛ فيما يائير لابيد ومن معه يعتبر ان سياسات اليمين الإسرائيلي المتصادمة مع الإدارة الأميركية ومع المجتمع والجيش الإسرائيلي نتيجة تمسكها بخطة الإصلاحات القضائية ورفض حل الدولتين، تقوي تحالفات محور الممانعة وتضعف الردع الإسرائيلي تجاه أعدائها.

والواقع أن الأحداث الأخيرة التي اشتملت على إطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة من لبنان وسورية وغزة بتوقيتات متناسقة؛ ومن ثم توزيع صورة لقاء نصر الله – هنية إضافة لنشر خبر اتصال الرئيس الإيراني بالرئيس السوري ضمن عنوان الرد على الاعتداءات الإسرائيلية والانتقام للمسجد الأقصى، كل هذه الأحداث يتم التعامل معها داخل إسرائيل بمستويين اثنين: الأول هو المستوى الإعلامي الذي يخدم طرفي السجال السياسي الداخلي الإسرائيلي والموجه للمجتمع الإسرائيلي والدولي والرأي العام الأميركي؛ أما المستوى الثاني فهو المهم، والأعمق والذي يجب متابعته لأنه يبنى عليه؛ وهو يجري وراء الكواليس وضمن النقاشات الباردة بين القيادات العسكرية والأمنية والسياسية العميقة..

لا شك انه ضمن نقاشات المستوى الثاني يتم طرح مسألة “الردع الاسرائيلي” وذلك ضمن عنوانين أساسيين: الأول يتمثل بسؤال طرحه الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين: هل فعلآ تآكل الردع الإسرائيلي إلى مستوى يستدعي العمل على استعادته؛ أم أن “سياسة الاحتواء” التي تنتهجا إسرائيل صحيحة؟؟

هناك رأيان داخل المستوى الثاني من النقاش الإسرائيلي العميق في مجال الإجابة عن هذا السؤال. يقول الرأي الأول أن ما يحصل يمكن تشخيصه بالعبارة التالية “ارتفاع منسوب التجرؤ على استفزاز إسرائيل”.. وهذا الأمر يحصل بسبب حالة الانقسام الداخلي الإسرائيلي من جهة، وبسبب الأزمة الراهنة بين تل أبيب وإدارة بايدن من جهة ثانية..

.. أما الرأي الثاني فيلتقي مع الرأي الأول من حيث المبدأ؛ ولكنه يطرح السؤال بصيغة أخرى؛ وذلك عبر القول أن ما يحدث “ليس تآكلا للردع الإستراتيجي الإسرائيلي”؛ بل تجرؤ على هذا الردع، وسبب هذا التجرؤ هو “اعتقاد السيد حسن نصر الله أنه بظرف إسرائيل الراهن؛ فإن إستفزاز إسرائيل هو مغامرة محسوبة ويجب تحملها” (العبارة هنا لعاموس يدلين). 

والواقع أن هذه الطريقة المتبعة داخل المستوى العميق في إسرائيل لنقاش مسألة ما بات يسميه الإعلام في إسرائيل وخارجها بمسألة الردع الإسرائيلي؛ يقود إلى ضرورة إعادة بلورة مفاهيم إستراتيجية على ضفتنا بمواجهة إسرائيل؛ وهي التالية:  

أولاً- ما هو مطروح بعمق داخل إسرائيل هو وجود “خلل” ناتج عن “ارتفاع منسوب استفزاز الردع الاسرائيلي”..

ثانياً- المسؤول عن هذا الخلل هو بالدرجة الأولى رسالة الضعف التي ترسلها “لأعداء إسرائيل” صورة انقسام مجتمعها بسبب خطة نتنياهو عن الإصلاحات القضائية؛ وأيضاً بسبب خلاف نتنياهو مع إدارة بايدن.. وعليه فإن تصحيح هذا الخلل يحتاج للبدء بمعالجة هذين السببين.

وهناك في إسرائيل أكثر من رأي حول كيفية معالجة هذين السببين اللذين بمجرد اصلاحهما فإن ذلك بنظر اسرائيل سيقود الى التفرغ لمعالجة خلل ارتفاع منسوب التجرؤ على الردع الاستراتيجي الإسرائيلي: الرأي الأهم في هذا المجال تقوده الموساد (حسب ما كشفته إحدى كبريات الصحف الأميركية) التي تطرح حل إسقاط نتنياهو وحكومته، كون وجودهما على رأس الحكم في إسرائيل بات يسبب ضرراً لإسرائيل. 

وواضح أن الموساد تعطي أولوية لهذه المعركة الداخلية على معارك إسرائيل الخارجية في هذه المرحلة؛ بمعنى أن الموساد هي مع “سياسة احتواء المخاطر” خاصة مع الجبهة الشمالية في هذه المرحلة، وذلك ريثما يتم التخلص من نتنياهو وحكومته، وحينها يصبح ضرورياً مواجهة الخلل الأمني القادم من الشمال ومن غزة…

ثالثاً- ان الجهة الخارجية المسؤولة عن التسبب بهذا الخلل لإسرائيل هي بالأساس حسن نصر الله بحسب تقويم رئيس الإستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين؛ كونه (أي نصر الله) هو صاحب نظرية “ضرورة تحمل المغامرة المحسوبة عن طريق رفع وتيرة استفزاز الردع الإسرائيلي في هذه المرحلة التي تعاني فيها إسرائيل من عوامل وهن إستراتيجية (انقسام داخلي وخلاف مع واشنطن)”.. ولكن بنظر الموساد والقائلين بهذا الرأي، فإن وقت فتح الحساب مع نصر الله في لبنان والسنوار في غزة ليس الآن، بل ربما على الأغلب في الصيف، وذلك بعد إنهاء عوامل الوهن الاسرائيلي الداخلي التي تتسبب بها حكومة نتنياهو.

وكل ما تقدم يقود إلى خلاصات استراتيجية كثيرة، ولكن يظل أبرزها أن إسرائيل موجودة حالياً داخل أزمة من نوع جديد؛ أهم مشاهدها تتمثل بأن “جبهتها الداخلية باتت تشكل عليها كمية ونوعية من الأخطار يفوق الأخطار القادمة عليها من جبهاتها الخارجية”. وهذا الواقع يقود للاستنتاج أيضاً بأن هناك جيلاً جديداً من الأعداء الشرشين للكيان العبري، وهو “تغير العالم حولها من أميركا إلى الشرق الأوسط”؛ وتغير العالم داخلها من شكل ونوعية التمثيل المشوه في الكنيست، إلى نوعية التفكير الجديد للأجيال الفلسطينية الجديدة داخل أراضي ال٤٨ أو الذين يسمون في إسرائيل “بحاملي الهويات الزرقاء” .. وهنا حديث آخر.. 

..إلى ذلك؛ فإنه داخل النقاش الإسرائيلي العميق يجدر تتبع أمراً هاماً وهو أن طرح مسألة “استعادة الردع الإسرائيلي” في الإعلام العبري ليس موجهاً بدرجة أولى “للعدو”؛ بل موجه بالأساس للخارج الأميركي والأوروبي اللذين تعتبرهما تل – أبيب مكلفين أخلاقياً بضمان بقاء الردع، وموجه على نحو أكبر للداخل الإسرائيلي الذي تشكل بالنسبة إليه فكرة عدم تآكل الردع الاستراتيجي الإسرائيلي، حافزاً نفسياً للبقاء في إسرائيل؛ ذلك ان اليهودي المقيم في إسرائيل – وبخاصة الذين هاجروا إليها خلال العقود الثلاثة الأخيرة- ، هو “مواطن معولم” ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة فرص عملية، وليست “أرض الميعاد”، ويتواجد فيها ويوجد في حوزته جواز سفر لدولة أخرى تحت غب الطلب؛ بمعنى أن نسبة ٧٠ بالمئة من اليهود الذين قدموا لإسرائيل منذ الربع الأخير من القرن الماضي، لم يهاجروا إليها لأسباب عقائدية، بل لأنهم يظنون أن الدولة العبرية ستؤمن لهم مستوى معيشة وفرص عمل أفضل؛ وفي حال اكتشف هؤلاء عكس ذلك فإنهم يستطيعون أن يختاروا بلدا آخر في أوروبا أو أميركا للإقامة فيه. فاليهودي هو من بين كل القوميات الأخرى يعتبر بمثابة “مواطن معولم”، مفتوحة امامه فرص اختيار وطن ثان خارج اسرائيل.

Exit mobile version