خاص الهديل:
توزعت الأحزاب المواقف التي تؤدي إلى إلغاء الانتخابات البلدية ؛ فهناك فريق رمى الكرة في ملعب الحكومة، وفريق آخر رمى الكرة في ملعب البرلمان؛ وهذا الفريق وضع شروطاً لكيفية التمويل، وبمقابله وضع ذاك الفريق شروطاً معاكسة.
والواقع أن هذه اللعبة التي تقوم على تبادل الشروط اللاغية بين أحزاب السلطة؛ تلعبها هذه الأحزاب في كل الاستحقاقات التي لا تريد عقدها لأسباب تخص مصالحها.
ولاشك أن كل الأحزاب – ربما عدا القوات اللبنانية – لا تريد عقد الانتخابات البلدية؛ وجميعها تتبع السياسة القائمة على العبارة التالية: نحن نريد عقد هذه الانتخابات بموعدها، ولكن …
وأغلب الظن أن الانتخابات البلدية ستؤجل من عام إلى عامين.. ولكن بغضون السير في مسار تأجيل هذا الاستحقاق الهام، سيكون هناك استحقاق آخر له أهمية بالغة أيضاً، وذلك في شهر تموز المقبل، وربما في حزيران؛ وهو استحقاق تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؛ وهناك حتى الآن تصوران اثنان حول ما قد يحصل على صعيد هذا الاستحقاق:
تصور يقول أنه تم التوافق بين القوات والمردة والعونيين على إسم حاكم جديد لمصرف لبنان هو وزير سابق بات اسمه معروفاً.. وهو ليس قواتياً، ولكن معراب كانت سمته لتولي حقيبة في حكومة سابقة.
.. وبحسب هذا التصور فإن تسمية حاكم لمصرف لبنان بدل سلامة من قبل الثلاثي الماروني (القوات والتيار الوطني الحر والمردة) سيفتح الطريق لاجراء مقايضة شيعية مارونية في تموز أو حزيران المقبل؛ يسمي بموجبها الثنائي الشيعي مدير عام شيعي أصيل للأمن العام بمقابل ان الثلاثي الماروني سمى حاكم جديد لمصرف لبنان.
التصور الثاني يتحدث عن إمكانية التمديد لرياض سلامة لستة أشهر مقبلة، كون سلامة خبر لعبة الدولار والوضع المالي، ومن الصعب إيجاد حاكم مكانه يستطيع إدارة اللعبة المالية بالبلد خلال فترة ما قبل إيجاد الحل الشامل للأزمة الاقتصادية الذي هناك رهان على نضوجه بفعل تطورات الإقليم، مع نهاية هذا العام.
وبالعودة الى الانتخابات البلدية؛ فيبدو واضحاً أن بعد الانتخابات الرئاسية، يتوقع أن تدخل الانتخابات البلدية أيضاً دائرة الفراغ؛ بحيث تصبح البلديات في حالة شغور؛ وبذلك يدخل لبنان حالة الشغور الإداري إلى جانب حالة الشغور الرئاسي السائد اليوم. وعندها يشق لبنان طريقه لاعتباره دولة فاشلة..
لكن السؤال الأساس هو لماذا تريد معظم الأحزاب عدم إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية؛ وتعمل في الكواليس على تأجيلها؟؟..
السبب المعلن الذي تتذرع به الأحزاب هو عدم توفر تمويل لدى الدولة لإجرائها.. وأيضاً عدم توفر العدة الإدارية اللوجستية لإدارتها، وذلك في ظل اضراب الإدارات العامة، الخ..
وهذه الأسباب بجزء كبير منها صحيحة؛ ولكن ما لا تقله الأحزاب الراغبة بتأجيل الانتخابات البلدية، هو أنها من جانبها لا تريد عقد الانتخابات البلدية كونها لا تريد تمويل حملاتها الانتخابية وتريد توفير العملات الصعبة التي في حوزتها لشراء الوقت السياسي الطويل بدل صرفها في غضون شهر واحد الذي هو موسم الانتخابات..
أضف لذلك أن هذه الأحزاب لا تريد أيضاً مواجهة الناس في هذا الوضع المعيشي والخدماتي المتردي، خاصة وأن هذه الأحزاب خلال حملاتها في الانتخابات النيابية الأخيرة قبل أشهر، كانت وعدت ناخبيها في مناطقها بأنها ستعمد إلى توفير التنمية لهم بعد وصولها إلى البرلمان؛ في حين أن الذي حصل هو أن هذه المناطق زادت فقراً بعد فترة الانتخابات فيما نواب هذه المناطق اختفت آثارهم إلا أيام الآحاد..
..بهذا المعنى يمكن القول أن معظم أحزاب السلطة غير جاهزة لمواجهة الناس والطلب معهم ان يسيروا معها في الانتخابات البلدية. ومن جهة ثانية فإن الأحزاب رغم أنها تملك أموالاً وفيرة لتمويل حملاتها الانتخابية البلدية، إلا أنها لا ترغب في ذلك..
يبقى القول أن الانتخابات البلدية قد تحمل مفاجآت للأحزاب في حال حصولها، كمثال أن تؤدي نتائج الانتخابات البلدية الى بروز ظاهرة صعود العائلات التي ترفع شعار أن الأحزاب تهمل موضوع التنمية في مناطقها وتهتم بالمحاصصة السياسية، وأن المطلوب أن تترك الأحزاب الانتخابات البلدية لعائلات البلدات كون أهل مكة أدرى بشعابها.. وكون هذه العائلات تعرف حاجات بلداتها؛ وهي بفعل كونها فعاليات محلية فهي تعطي أولوية لتنمية بلداتها على حساب الموضوع السياسي الذي تعطيه الأحزاب الأولوية على حساب التنمية.