خاص الهديل:
أمس وصل وزير خارجية سورية فيصل المقداد إلى جدة تلبية لدعوة من الخارجية السعودية؛ وبنفس الوقت كان وفداً إيرانياً فنياً يزور الرياض لترتيب إعادة فتح السفارة الإيرانية هناك؛ ومن جهة ثالثة كانت السعودية تباشر اتصالات لدعوة دول مجلس التعاون الخليجي لبحث عودة سورية إلى الجامعة العربية.. وكل هذه التطورات تزامنت مع قرار تونس بفتح سفارتها في سورية؛ ومع اكتمال التنسيق لوصول وزير خارجية سورية نهاية هذا الشهر إلى كل من الجزائر وتونس.
إن جزء كبيراً من هذه الصورة عن الحيوية الدبلوماسية الجارية هذه الأيام تجاه سورية، تؤكد ثلاثة أمور اساسية:
الأمر الأول هو أن السعودية أخذت قرارها بأن تقود عملاً عربياً يهدف إلى إعادة سورية إلى الجامعة العربية.
وبات واضحاً أن هذا القرار يأتي ضمن توجه المملكة لتصفيير أزماتها مع دول وساحات الإقليم وأيضاً داخل الفضاء العربي؛ ويأتي هذا القرار أيضاً كنتيجة للاتفاق السعودي مع إيران الذي من أهدافه الاستراتيجية المساعدة على إرساء الاستقرار في المنطقة. وهنا يجب التشدد في إيضاح أن مخططي الاتفاق الإيراني السعودي وضعوا معايير لنجاحه؛ وهي ليست فقط انعكاساته الإيجابية على البلدين، بل مدى الانعكاسات الإيجابية التي يحققها على مستوى إسهامه في حل أزمات الاقليم.
وضمن هذه الجزئية الأساسية يبقى القول أن انتقال ملف حل الأزمة السورية إلى عهدة الرياض، إنما يعني أن هناك توافقاً إقليمياً حصل للبدء بحل الأزمة السورية؛ ذلك ان الرياض تمثل ثقلاً كبيراً في القرار العربي والاقليمي العام؛ وأي دور لها في سورية إنما يمثل الدور العربي والاقليمي، وليس فقط الدور السعودي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو عن عناوين الدور العربي السعودي لحل الأزمة السورية؟؟
أمس أجاب بيان الخارجية السعودية الذي شرح أهداف زيارة المقداد، على هذا السؤال عندما حدد ثلاثة أهداف للزيارة:
أولاً- إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق..
وهنا يلاحظ ان مسار إعادة العلاقة بين دمشق ودول عربية أخرى؛ كان بدأ بزيارة وزير خارجية هذه الدول إلى دمشق، أما مع السعودية فقد بدأ هذا المسار بزيارة وزير خارجية سورية إلى السعودية. وهذا لا يعني عدم وجود رغبة سعودية لإعادة العلاقة مع سورية، ولكنه يعكس حماس سوريا لدور السعودية العربي في حل أزمتها. ويعكس من جهة ثانية أن وصول المقداد لجدة يشكل تتمة لنجاح حلقات النقاش التي كان لها شكل التفاوض الطويل بين مستوييي المخابرات السعودية السورية. وأقله يمكن الآن القول أن المحادثات الثنائية الأمنية بين البلدين، نجحت بوضع خارطة طريق لكيفية تفكيك سكك تهريب المخدرات إلى السعودية.
ثانياً- حل الأزمة السورية سلمياً عبر العملية السياسية المستندة على مخرجات قرارات دولية سابقة.
وهنا بات واضحاً ان السعودية ستقود من جهة وبنفس الوقت، عملية الحل السياسي الداخلي في سورية، إضافة إلى قيادتها من جهة ثانية عملية إعادة سورية للحضن العربي. والرياض تريد إظهار أن هناك رابطاً وثيقاً بين هذين العاملين اللذين يوجهان جانباً مهماً من قرارها باعادة علاقاتها بسورية.
ثالثاً- العمل على إعادة النازحين السوريين. وتجدر هنا الإشارة إلى أن مجرد ورود عبارة ملف إعادة النازحين السوريين في متن بيان الخارجية السعودية؛ فإن هذا يعتبر حدثاً هاماً للدول التي تستضيف النازحين السوريين كلبنان والأردن وتركيا، وأيضاً لسورية، وأيضاً القوى المعارضة السورية التي تشكو من ان عدم حل ملف النازحين يشكل خللا ديموغرافيا داخل سورية في غير صالحها.
ومجرد أن تقول السعودية تحديداً في بيان رسمي أنها تريد حل ملف النازحين السوريين، فهذا له أهمية مضاعفة نظراً أولاً للثقل السياسي السعودي العربي والإقليمي والخليجي والإسلامي؛ وكل هذه الصفات لثقل الدور السعودي، يحتاجها ملف اعادة النازحين السوريين المنتشرين في دول عربية فقيرة (لبنان والأردن) وفي دولة إقليمية ومسلمة كبيرة (تركيا).. والأهمية الثانية لهذا الإعلان السعودي تكمن في أن الجهة الوحيدة التي تستطيع تمويل إعادة النازحين السوريين هي الخليج؛ والدولة الوحيدة التي تستطيع قيادة الخليج للعب هذا الدور هي السعودية.
الأمر الثاني الذي توضحه زيارة المقداد الى السعودية، هو أن الرياض تعلن عملياً أن ملف حل الأزمة السورية أصبح في عهدتها بعد أن كان ملف تغيير النظام السوري هو الذي شغل الاهتمام السعودي على مدى وقت طويل.
أما الأمر الثالث الذي توضحه زيارة المقداد للسعودية، يتمثل بأن ملف الأزمة السورية هو جزء من الملفات التي يتضمنها الاتفاق الإيراني- السعودي.. وهذا يعني أن ملف حل الأزمة السورية يحتل وفق ترتيب الملفات الاقليمية على جدول أعمال الاتفاق السعودي الايراني، المرتبة رقم ٢ بعد ملف اليمن. ولكن يلاحظ هنا أن هذا الترتيب للملفات، لا يعني أنه يجب انتظار حل كامل الملف الاول حتى يتم الانتقال أو البدء بحل الملف الثاني؛ بل الأسلوب المتبع في مقاربة الملفات الإقليمية ذات الصلة باتفاق طهران الرياض، هو إجراء خطوة ناجحة في الملف الأول يعقبها مباشرة تنفيذ خطوة ناجحة في الملف الثاني؛ وهكذا حتى اكتمال حل أزمات المنطقة بتعاون إيراني سعودي منسق مسبقاً ومجدولة ترتيباته.
ووفق هذا المسار لبدء تفعيل نتائج الاتفاق الإيراني السعودي بخصوص أزمات المنطقة؛ يندرج السؤال عن موقع أزمة لبنان على جدول هذا الاتفاق؛ فهل هو الثالث بعد أزمتي اليمن وسورية؛ وهل يمكن توقع بعد دعوة سورية لحضور القمة العربية، أن تبادر الرياض الى خطوة مفتاحية تجاه لبنان، كي تبدأ أيضاً عملية الحل في لبنان، وذلك وفق ساعة تطبيقات الاتفاق الإيراني السعودي؟؟
الواقع أن الجمود الحاصل حالياً في لبنان، ناتج عن انتظار كل القوى اللبنانية لطبيعة الإجابة عن هذا السؤال المفترض أن تتضح معالمها سلباً أو إيجاباً بعد تبلور الخطوة السعودية العملية الأولى تجاه سورية، والمتمثلة بإعادة علاقات الرياض مع دمشق وباعادة سورية إلى الجامعة العربية.. وبعد إتمام هاتين الخطوتين فقط، سيتضح أي موقع للبنان داخل اتفاق طهران الرياض؛ وما هي الخطوة المفتاحية الأولى التي ستقوم بها السعودية لبدء الحل في لبنان (يتوقع ان تكون انتخاب الرئيس)، وضمن أي اتفاق مع طهران؟؟..