خاص الهديل:
بات هناك قناعة تقول أن الدور الفرنسي في لبنان كما مارسه الرئيس ماكرون وطاقم الاليزية اللصيق به، لم يعد لديه مصداقية لا داخل لبنان ولا خارجه. فماكرون فشل في توظيف رصيده السياسي على نحو يحقق نتائج عملية في بلد الأرز؛ كما فشل ماكرون في تغيير موقف الرياض من الوضع اللبناني، وفي إحداث توآمة بين نظرة ماكرون ونظرة ولي العهد محمد بن سلمان للحل في لبنان… أضف الى ذلك ان حرص ماكرون على بقاء شخص نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، فضح نواياه لجهة أنه يبحث عن رئيس لحكومة مصالح فرنسا في لبنان، وليس عن رئيس حكومة لإنقاذ لبنان.
وحينما وصل بايدن إلى البيت الأبيض توقع مراقبون – وكانوا محقين بذلك – أن يستفيد ماكرون من خروج ترامب من البيت الأبيض، كون الرئيس الديموقراطي سيدعم مبادرات ماكرون الخارجية ومنها تحركه تجاه حل الأزمة اللبنانية. ولكن تبين لماكرون بعد مضي وقت ليس طويل، أن موقف واشنطن من لبنان يكاد يكون واحداً سواء أيام ترامب أو أيام بايدن. فالبيت الأبيض الديموقراطي كما الجمهوري لديه أولويات ليس لبنان بينها. ولذلك قرر ماكرون أن يلجأ إلى السعودية لتمنحه ضوء أخضر كي يبني مبادرة مشتركة معها في لبنان؛ ولكن الرياض لديها شروط حتى تدخل إلى نادي العمل من أجل الأزمة اللبنانية.
وقد ارتضى ماكرون أخيراً بأن يكون واحداً من بين خمسة لاعبين (اللجنة الخماسية) فوق مسرح حل الأزمة اللبنانية، وذلك ابتداء من مدخل إنهاء الشغور الرئاسي. وقد حصل ماكرون على جائزة ترضية أميركية من خلال جعل باريس هي مقر اجتماعات اللجنة الخماسية من أجل لبنان.
.. ولكن حالياً يواجه طموح ماكرون للملمة ما تبقى له من فتات دوره كمايسترو الحل اللبناني، ثلاثة مشاكل اساسية:
المشكلة الأولى هي الكلام الذي صدر عن ماكرون خلال زيارته للصين والتي دعا فيها للتخلي عن الدولار، الخ..
ومن وجهة نظر واشنطن فإن ماكرون تجاوز بتصريحاته هذه الخطوط الحمراء مع أميركا، وسوف تتم معاقبته؛ وإحدى هذه العقوبات التي ستوجه ضده، ستتمثل بنقل مقر اللجنة الخماسية من أجل لبنان من باريس إلى عاصمة إحدى الدول العربية المشاركة في الخماسية..
وفي حال حصل هذا الأمر، فإن هذا سيعني ان ماكرون فقد آخر أوراقه كوسيط متقدم لحل الأزمة اللبنانية.
المشلكة الثانية التي بواجهها ماكرون هي جعل الاليزية بمثابة فندق ينتظر فيه اللبنانبون معرفة ما يصل إلى ماكرون من أجوبة سعودية على أسئلة مرشحين لبنانيين.. وحتى ان هناك جهات فرنسية ترى ان ماكرون يمارس خفة في مقارباته للأزمة اللبنانية تضر بصورة السياسة الخارجية الفرنسية وتعطي انطباعاً بأن الدبلوماسية الفرنسية ليست رزينة أو ذات وزن.
المشكلة الثالثة التي تواجه ماكرون هو ظهوره بمثابة داعم لسيناريو إيصال سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وذلك ليس لأن فرنجية يخدم سيناريو الإصلاح والحل في لبنان؛ بل بسبب نفوذ رجل الأعمال اللبناني الشاغوري في دوائر صناعة السياسة الفرنسية.
والواقع ان ماكرون تحول إلى جزء متمم للمنظومة السياسية اللبنانية؛ فهو من جهة يضع كفه بكف ميقاتي رئيس الحكومة التي لم تستطع انجاز الإصلاحات؛ ومن جهة ثانية يعمل لإيصال فرنجية لقصر بعبدا رغم ان فرنجية ليس مرشح الإصلاح.