خاص الهديل:
لا توجد إمكانية لإجراء الإنتخابات البلدية، وبنفس الوقت لا توجد إرادة سياسية لإجرائها. وفي حال تم تأجيل عقد الإنتخابات البلدية، حسبما هو متوقع؛ فهذا سيعني أن النظام السياسي في لبنان لم يعد قادراً على إنتاج عملية تداول السلطة ليس فقط من فوق إلى تحت، بل أيضاً من تحت إلى فوق؛ وأن العملية الدستورية التي تمد شرايين الدولة بالحياة هي في حالة موت سريري وشلل وانهيار.
وبغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء تأجيل الإنتخابات البلدية، وهي أسباب ليست كلها مالية، بل بعضها سياسي بامتياز؛ فإن هناك أسئلة لا بد من طرحها تعقيباً على هذا الموضوع.
السؤال الأول هو لماذا تم إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها ولا يتم إجراء الإنتخابات البلدية في موعدها المحدد؛ علماً أن الشؤون اللوجستية الخاصة بإجراء هاتين الانتخابين متشابهة تقريباً؛ وبالتالي فإنه كما جرى تأمين أسباب إجراء الانتخابات النيابية قبل أشهر قليلة، يمكن أيضاً اليوم تأمين أسباب إجراء الانتخابات البلدية؟؟!
السؤال الثاني وهو استتباع للسؤال الأول، ومفاده أن السياسة وحساباتها هي التي تقف وراء الرغبة بتأجيل الإنتخابات البلدية؛ خاصة في ظل هذا التوقيت الذي يتعاظم فيه الحديث عن الفيدرالية أو الكونفدرالية؛ وكل هذه الأفكار تتحدث عن “تقسيم بلدي في لبنان”، أي “تقسيم على قياس اتحاد بلديات على أساس أنه طائفي ومذهبي”.
.. وثمة من يقول أنه لو جرت الانتخابات البلدية في ظل شيوع مفهوم يرى أن خيار تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة الوارد في نظام الطائف، تحول في هذه المرحلة إلى مفهوم يعني أنه نوع من المرحلة الانتقالية التي تسبق وتمهد لمرحلة الدخول في الفيدرالية التي هي الحل المتبقي أمام لبنان(!!)
..وبرأي هؤلاء فان هناك حاجة لتأجيل عقد الإنتخابات البلدية لنحو عام أو عامين؛ حيث تكون أوضاع البلد باتت توحي بأن البلدية ليست سوى إدارة تابعة للدولة المركزية وليست نموذجاً لحكم ذاتي متحد مع بلديات المنطقة الطائفية التي تقع فيها.
.. وبكلام آخر، يرى هؤلاء أنه في حال جرت الإنتخابات البلدية في ظل أجواء الدعوة إلى الفيدرالية في بعض المناطق؛ فإن نتائج هذه الإنتخابات ستعطي دفعاً قوياً وزخماً شعبياً ومؤسساتياً لأصحاب نظرية تطبيق الفيدرالية في لبنان، ذلك أن البلديات التي سيربح فيها المطالبون بالفيدرالية، وخاصة في المناطق المسيحية، سيحولون بلدياتهم إلى دوائر تعمل ضمن مفهوم الفيدرالية، وليس ضمن مفهوم علاقتها بالمركز… وهذا الوضع سيسمح بوجود “بروفا عملية” لتطبيق الفدرالية من خلال البلديات، وذلك في نطاق اتحاداتها الطائفية والمذهبية.
السؤال الثالث الذي يطرحه المطالبون بإرجاء الانتخابات البلدية، يتمثل بأنهم يلفتون النظر إلى انتخابات بلدية بيروت.. ويسأل هؤلاء في هذا الإطار التالي: ماذا لو أتت نتائج انتخابات بلدية بيروت بأعضاء مجلس بلدي كله مسلمين؟؟.. ومن يضمن أن لا تتصرف بيروت خلال الإنتخابات البلدية على اساس أنها منقسمة بين اتجاهين طائفيين وليسا سياسيين، أي اتجاه مسيحي وآخر إسلامي.
والواقع أن عقد انتخابات بلدية بيروت في ظل هكذا توجهات، سيوحي بأن بيروت تعود إلى أجواء انشطارها إلى قسمين “شرقي مسيحي” و”غربي مسلم” كما كانت أيام الحرب الأهلية..
وقصارى القول في هذا المجال أنه إلى جانب أن هناك لدى الأحزاب أسباباً مباشرة لتإجيل الانتخابات البلدية، فإنه بالمقابل يوجد لدى هذه الأحزاب أسباب أخرى سياسية تجعلها ترغب بتأجيلها، ومنها أسباب تتصل بما هو عليه واقع البلد اليوم، واتصالاً بما يخطط لمستقبله: صحيح أن هناك أحزاباً تخشى من مواجهة مواطني مناطقها الانتخابية الذين سيطالبونها بترك اللعبة البلدية لعائلات المدن والقرى، ولكن الصحيح أيضاً أن هناك أحزاباً تخشى من أن تتحول الانتخابات البلدية خاصة في المناطق المسيحية إلى استفتاء لرأي الشعب بالفيدرالية، وبالذهاب إلى خيار التقوقع داخل بلديات متحدة على أساس مذهبي وطائفي.