على وقع الاحتجاجات الحاصلة في الشارع ورمي القنابل المسيلة للدموع، أقرّت حكومة تصريف الأعمال زيادات على رواتب موظفي القطاع العام، رفع الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع الخاص ورفع بدل النقل، على أن يتم تأمين المداخيل من رفع قيمة الدولار الجمركي إلى 60 ألفاً، وتأمين الموارد بعد عودة مرافق الدولة إلى العمل، منها هيئة إدارة السير.
إلّا أن هذه الزيادة أغضبت موظفي القطاع العام والمتقاعدين، ولم تنل رضاهم، لأن مطالبهم كانت في مجال آخر، وهم الذين أرادوا تصحيح الرواتب بشكل سليم ودفعها على سعر دولار ثابت عبر منصّة “صيرفة”، للاستفادة منها وعدم تأثّرها مع تلاعب سعر الصرف، فارتفعت الصرخات خارج السرايا الحكومية، ما أشار إلى أن المواجهة بين الحكومة وموظفي القطاع العام ستستعر في المرحلة المقبلة، ولا عودة لانتظام عمل مؤسسات الدولة.
وفي السياق نفسه، ورغم تطمينات وزير الإعلام زياد مكاري، الذي قال إن وزير المالية يوسف الخليل درس الزيادات بعناية طيلة شهر لتفادي التضخّم، لأن تأمين المدخول سيتم عبر رفع قيمة الدولار الجمركي وعودة استيفاء الضرائب من خلال المؤسسات، فإن الواقع يبدو مغايراً على الأرض، خصوصاً في حال استمر موظفو الإدارة العامة بإضرابهم، فعندها تُحرم الدولة من مداخيلها، وتضطر إلى الطبع لتغطية الزيادات، فتقع في فخ التضخم.
الزيادات على الرواتب ستعني زيادة الطلب على الدولار في السوق، وفي حال أضيف عامل طبع الليرات لتأمين الزيادات وحصل التضخّم، فإن هذه الإشارات لا تعني سوى ارتفاعاً إضافياً في سعر صرف الدولار، ما يعني أن قيمة الرواتب مع الزيادات ستتآكل تدريجياً، فيعود الموظفون إلى الدوران في الحلقة المفرغة نفسها.
رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر أشارت إلى أن الإجراءات الحكومية مرفوضة، لأنها لا تواكب المطالب التي تتحدّث عن صرف رواتب موظفي القطاع العام على سعر دولار صيرفة 15 ألفاً، صرف نصف قيمة الرواتب بالدولار النقدي، وزيادة بدل النقل لتكفي قيمة ما يدفعه الموظفون الذين يقطنون في مواقع بعيدة عن مراكز عملهم.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفتت نصر إلى أن “قرار العودة عن الإضراب أو الاستمرار به لم يؤخذ بعد، بانتظار الاتصالات والاجتماعات مع المعنيين، لكن الجو العام لا يُشير إلى رضى الموظفين ولا إلى عودتهم إلى العمل، وثمّة رفض واستنكار لهذه الزودات في صفوفهم”.
وشدّدت نصر على أن الزيادات لا تكفي لدفع الضرائب، منها الكهرباء، الاتصالات وغيرها، والتي ارتفعت قيمتها بشكل كبير، وقالت: “بلغة الأرقام، فإن الحد الأدنى للموظفين بات 14 مليون ليرة بعد كل الزيادات، وهذا الرقم لا يكفي، علماً أن الرواتب ذات القيمة المرتفعة التي تم الحديث عنها، والتي تزيد عن 60 مليون ليرة تعود للقضاء وموظفي “أوجيرو” وغيرهم، وليس موظفي الإدارات العامة”.
نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه اعتبر أن تثبيت الحد الأدنى للأجور عند مستوى الـ9 مليون ليرة بالنسبة للقطاع الخاص خطوة إيجابية، وإذ لفت إلى أن “أي زيادة اليوم غير كافية ولا تسد حاجات المواطنين، إلّا أن الفترة صعبة ودقيقة ويجب تسيير كافة المرافق إلى حين نضوج الحل السياسي”، وهنا، شدّد على وجوب انتخاب رئيسٍ للجمهورية، تشكيل حكومة إصلاحية والشروع بخطّة تعافي لعودة دولة القانون.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت فقيه إلى أن لا مبرّر لموظفي القطاع العام للاستمرار بإضرابهم بعد هذه الزودات التي حصلت، ومع العلم أن المطلوب زيادات إضافية، إلّا أن الدولة بحاجة أيضاً لمداخيل لتأمين الموارد، وبالتالي المفروض عودة الموظفين عن إضرابهم وعودة سير المرافق العامة وتأمين المدخول للدولة، لتغطية الزيادات.
وتمنّى فقيه زيادة بدل النقل بالنسبة لموظفي القطاع الخاص إلى 450 ألف، إسوةً بموظفي القطاع العام، وأكّد أن لجنة المؤشّر لن تتوانى عن طلب الزيادات لموظفي القطاع العام في حال ارتفع سعر صرف الدولار، وتراجعت قيمة الرواتب الحالية.
تبقى هذه الاجراءات ترقيعية، وستصبح بلا قيمة بعد فترة وجيزة مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ما يعني أن الحل السياسي مطلوب قبل الحلول الاجرائية.