خاص الهديل:
زيارة سليمان فرنجية أمس الى بكركي؛ جرت تحت عنوان أنه “مرشح طبيعي” لرئاسة الجمهورية؛ وأيضاً تحت عنوان أن فرنجية يريد أخذ شرعية مسيحية من بكركي ليخفف عنه وطأة أنه يوجد عليه “حرم حزبي مسيحي”.. وأيضاً جاءت زيارته لبكركي تحت عنوان أنه يريد الإشارة إلى وجود توازن في إبعاد ترشيحه بين الثنائي الشيعي ومرجعية بكركي المسيحية..
وبدا فرنجية أمس أنه لا يزال يخوض معركة ترشحه بالشكل، رغم أن أوساطه باتت تسميه “المرشح المتقدم” بين بقية مرشحي الرئاسة؛ وذهابه إلى بكركي، قصد منها فرنجية أمس وضع طبقة كثيفة من المكياج المسيحي على طبقة المكياج الشيعي الكثيفة التي تغطي وجهه.. ومضمون كلامه من بكركي أمس جعل فرنجية يبدو وكأن لديه بياني ترشح؛ واحد مسيحي أو للمسيحيين يتكفل هو بإعلانه، وثاني شيعي أي للمحور يتكفل تارة نصر الله وتارة بري بإعلانه..
وكان يهم فرنجية أمس أن يأخذ صورة مع الكاردينال بشارة الراعي توحي للداخل وللخارج على نفس المستوى، بأن بكركي على مسافة واحدة بينه وبين كل المرشحين الموارنة العشرة الذين اقترحت بكركي ترشيحهم حسب ورقة ترشيحاتها التي سربت عنها.
وأمس اكتمل إعلان الجزئين المسيحي والشيعي من خطاب فرنجية؛ وبقي عليه جمعهما في خطاب ترشح رسمي واحد؛ وهو أمر لن يحصل قبل اتضاح طبيعة كيف ستنعكس التسويات الكبيرة على لبنان، وبالتحديد على الاستحقاق الرئاسي فيه؟!.
واضح أن فرنجية يراهن على “ناخب التسوية الكبرى” التي ستصل مفاعيلها إلى لبنان، والتي يعتقد انها ستكون في صالحه.. وبحسابات فرنجية فإن التسوية التي حصلت بين إيران والسعودية تحتم أن يكون لها تتمة تشبهها في لبنان كمثال حصول تسوية بينه كمدعوم من محور إيران وبين خصومه الحزبيين المسيحيين المدعومين من محور السعودية… كما ان تصالح الرياض مع دمشق بنظر فرنجية ستجد تجسيداً لها، وعلى وزنها في لبنان من خلال تصالح الأحزاب المسيحية التي ضد نظام الأسد مع فرنجية صديق نظام الأسد..
وكان لافتاً أمس أن فرنجية مقتنع بأن انفتاح السعودية على ايران سيؤدي من جهة إلى انفتاح عربي على ترشحه لرئاسة جمهورية لبنان، وأن تصالح العرب مع فكرة عودة سورية إلى الحضن العربي سيؤدي من جهة ثانية إلى تصالح الأحزاب المسيحية حلفاء الرياض، مع اعادة فرنجية الى حضنها والموافقة على دعم وصوله إلى قصر بعبدا.. وليس معروفاً مدى صوابية تفكير فرنجية الذي يعتبر أنه كلما اقترب الأسد خطوة من العودة إلى الجامعة العربية، كلما يعني ذلك أن فرنجية اقترب خطوة من دخول قصر بعبدا!!
وعليه فإن خطاب فرنجية من بكركي أمس كان عبارة عن قسمين اثنين؛ في القسم الأول قدم جزرة انه مستعد لأن يتشارك مع الاحزاب المسيحية في حكم البلد فيما لو وصل للرئاسة؛ وفي القسم الثاني قدم عصا التسويات الاقليمية التي إن لم تفهم الأحزاب المسيحية معنى ترشح فرنجية بين سطورها فإنها ستندم حينما لا ينفع الندم مع حدة التغيرات الدولية والاقليمية!!.
والواقع أن الأحزاب المسيحية التي كانت ترفض دعم ترشح فرنجية قبل ذهابه أمس الى بكركي، لن تؤيد ترشحه بعد ذهابه لبكركي.. وعليه فإنه لا يوجد أمام “أبو طوني بانتظار ما سيحصل خارجياً سوى ابتداع خارطة مسيحية جديدة تقوم فكرتها الأساسية على القول أن مسيحيي لبنان ليسوا فقط المسيحيين الحزبيين، بل يوجد أيضاً المسيحيين غير الحزبيين؛ وهؤلاء موقفهم من ترشحه يشبه موقف بكركي لجهة أنها أقله ليست ضد ترشحه؛ وتمنحه فرصة واحد على عشرة من الحظ للفوز..
وبكلام آخر فإنه أمام إصرار زعماء الأحزاب المسيحية على فرض “حرم حزبي مسيحي” على ترشح فرنجية؛ فإن الأخير يستطيع “دب الصوت” على المسيحيين غير الحزبيين كي يساندوه في معركته لإظهار أنه ليس معزولاً مسيحياً وأن لديه وجود فوق خارطة المسيحيين غير الحزبيين الذين قد يكونون هم الأكثرية الصامتة، أو الأكثرية الموجودة خارج مجلس النواب.. والفكرة هنا تقول أنه إذا كانت الأكثرية المسيحية المتناحرة داخل مجلس النواب تعطل إنهاء الشغور الرئاسي؛ فلماذا لا يتم الاستنجاد بالأكثرية المسيحية غير الحزبية الموجودة خارج البرلمان “لكسر قفل” أغلبية هذه الأحزاب..
أمس ربما نجح فرنجية بالشكل في إظهار أنه إذا كانت الأحزاب المسيحية ضده؛ فإن الكنيسة ليست ضده، وأقله فهي بخصوصه محايدة. ويحتاج فرنجية الآن، وفي هذه المرحلة، أن يكمل رسالته هذه عبر إظهار أنه ليس محاصراً مسيحياً، وأن ترشحه للرئاسة لا يواجه عزلة وعدم مقبولية مسيحية شاملة؛ بل هو لديه إلى جانب بكركي المحايدة بشأن ترشيحه؛ منابر أخرى مسيحية تساند ترشيحه أو لا تضع حرماً سياسياً على ترشيحه، وهؤلاء تحديداً هم المسيحيون غير الحزبيين.
وهناك من يقول أنه يوجد فعلاً شخصيات ووجوه مسيحية تريد أن تخوض من خلال فرنجية أو غيره، معركة المسيحيين غير الحزبيين، وذلك ضد نزعة الفصائيلية المسيحية أو ضد الحزبيين المسيحيين المحتكرين للسياسة داخل الساحة المسيحية.. وهذه المعركة لا تعني إلغاء الأحزاب بل كسر احتكار امتلاكها ما يشبه “الحرم الحزبي” الذي يوازي “الحرم الكنسي” في مفاعيله السياسية.
..ولكن ضمن هذه الجزئية من مشكلة فرنجية مع قضية فرض “العزلة الحزبية المسيحية” عليه، توجد في هذا المجال مشكلة سببها فرنجية ذاته؛ وجوهرها طريقة تفكير “أبو طوني” المتمسك بتقليدية زغرتاوية لجهة شكل زعامته ومضمونها. ففرنجية لا يحاول ان يجعل زعامته تخرج من قضاء زغرتا السياسي؛ بل حاصر نفسه داخل زغرتا ومنع نفسه من الخروج السياسي منها، وذلك قبل ان تمنعه الأحزاب المسيحية اليوم من الخروج من زغرتا إلى القصر الجمهوري..
..ومشكلة فرنجية أنه لا يريد؛ أو لا يتنبه لضرورة معالجة هذا الأمر الذي يشكل أحد أبرز أسباب عزلته المسيحية المسؤول عنها هو نفسه؛ وربما يستطيع فرنجية الآن، طالما أنه قرر أن يكون رئيس “جمهورية ما بعد قضاء زغرتا السياسي”؛ أن يجرب فتح باب زعامته الزغرتاوية على المسيحيين غير الحزبيين على مستوى الوطن، خاصة طالما ان المسيحيين الحزبيين المختلفين على كل شيء، مستعدين للاتفاق على شيء واحد وهو عدم السماح له (لفرنجية) بالوصول لرئاسة الجمهورية..
بكلام آخر؛ فإنه داخلياً يوجد لدى فرنجية الآن مهمة أساسية بعد ذهابه إلى بكركي، وهو القول أولاً أن الكنيسة ليست شريكة في حصار الأحزاب المسيحية له؛ ومن ثم القول ثانياً أن المسيحيين غير الحزبيين ليسوا أيضاً شركاء في حصار المسيحيين الحزبيين له..
..وبكلام آخر يبدو مطلوباً حالياً أن يخرج فرنجية من إطار صورتين اثنتين موجود داخلهما الآن: الأولى صورة الأحزاب له التي تظهره أنه مرفوض مسيحياً.. وتكمن فرصة فرنجية هنا في قدرته على تظهير صورة بديلة تظهره أنه مقبول، أو أقله غير مرفوض من المسيحيين غير الحزبيين.
أما الصورة الثانية التي يحتاج فرنجية أيضاً للخروج من إطارها، فتتمثل بتلك الصورة التي يضع فرنجية نفسه ملامح زعامته بها، ومفادها انه زعيم مسيحي داخل “قضاء” أو “فضاء” زغرتا السياسي حصراً وفقط!!..