سررت بوشاح حمد بن خليفة وكلمات سمو الأمير بعد اليونسكو كانت بلسماً لي
فيما يلي نص حوار الدكتور حمد الكواري الشيق مع جريدة اللواء القطرية الإلكترونية:
حاوره: أحمد القوبري
هذه زاوية نطل بها على مختلف قضايا الساعة عبر حوارات سريعة نحاول من خلالها عبر “لقاء اللواء” ان نسلط الضوء على الحقيقة وكل جديد في السياسة والرياضة وكل قضايا الوطن والمواطن.
وضيفنا اليوم هو سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية.
- أيهما الأقرب الى قلب سعادتكم ..ان نقول عنكم السياسي أم الدبلوماسي أم المثقف الموسوعي ؟
– أولاً في واقع الأمر عندما تعود الى طبيعة دراستي وطبيعة عملي تجد ان كلا الأمرين ينطبقان عليّ، سياسي وايضاً ثقافي. فدراستي التي بدأت في الازهر وكلية دار العلوم في القاهرة مروراً بالجامعة اليسوعية في بيروت ثم السوربون في فرنسا وهي كلها كانت دراسات ذات علاقة باللغة والدين والثقافة وانتهت في الولايات المتحدة بالعلوم السياسية في جامعة ولاية نيويورك (ستوني بروك)، هذا ما يتعلق بالدراسة .
اذاً من خلال دراستي تستطيع ان تربط الثقافة بالدبلوماسية ، فالجانب الاول منها ثقافي ثم تحول الى دبلوماسي، وعندما تعود ايضاً الى حياتي العملية تجد ايضاً ان الأمرين يسيران في خط متوازي.
وطبعاً الثقافة جزء من اهتمامي الشخصي بحكم دراستي ولكن عملي المباشر الذي تعتبر الثقافة جزءاً منه هو عمل سياسي دبلوماسي، فقد انتقلت من بلد الى بلد، من بيروت الى دمشق الى باريس الى نيويورك انتهاءً بواشنطن، واشكر الله ثم حكومتي وقيادتي على اتاحة العمل لي في هذه الدول والعواصم، لأن كل عاصمة من هذه العواصم لها بُعد حضاري وسياسي مهم جداً بالاضافة الى انني كنت مع عملي كسفير في باريس مندوباً في اليونسكو في الوقت نفسه (عمل سياسي وثقافي) وايضاً في نفس الوقت كنت أغطي خمس دول اوروبية لأن قطر لم يكن لديها بعثات كما هو الحال في الوقت الراهن، فكان السفير مقيماً في عاصمة ويمثل في عدة دول .
فعندما كنت في باريس كنت أغطي خمس دول اوروبية وعندما انتقلت الى نيويورك اصبحت اغطي كندا ودولتين مهمتين في امريكا اللاتينية هما الارجنتين والبرازيل ثم عندما انتقلت الى واشنطن اصبحت اغطي ايضاً فنزويلا والمكسيك .
اذاً كل هذه الابعاد تجعل بامكانك ان تطلق علي سياسياً او ثقافياً وكلاهما يعكس طبيعة ثقافتي وطبيعة عملي، واعتقد ان من الفرص الجميلة جداً في حياة الدبلوماسي ان يعمل في نيويورك بصورة خاصة .
العمل في نيويورك
- ما هو السبب دكتور حمد وما السر وراء تميز العمل في نيويورك على اي عاصمة اخرى؟
– طبعاً نيويورك تختلف عن اي عاصمة اخرى لانك عندما تكون في اي عاصمة في العالم فأنت تتعامل الى حد كبير جداً في العلاقات الثنائية بين البلدين، ولكن عندما تكون في نيويورك فأنت تتعامل مع السياسة والثقافة والاقتصاد والمال والقانون في نفس الوقت وايضاً تتعامل مع كل قضايا العالم السياسية وفي نفس الوقت .
وفي نيويورك تجد كل الدبلوماسيين يعملون في مبنى واحد وكل واحد منهم يحتاج للآخر سواء كان من دولة صغيرة ام كبيرة، وكل قضايا العالم تُناقش اللجان الست في نفس المبنى طوال العام وايضاً يوجد موسم تتكثف فيه الاعمال وهو موسم الجمعية العامة والذي يتيح لك ليس فقط متابعة كل قضايا العالم من خلال خطابات رؤوساء الدول ولكن يتيح لك ايضاً بشخصيات مهمة جداً من العالم في هذه المناسبة، وطبعاً يطول الحديث في هذا الموضوع . - منصب وزير الثقافة والفنون والتراث لدولة قطر على مدى ثماني سنوات، هل يحمل بعض سمات التفرد والخصوصية في رحلة العطاء؟
– انا تقلدت منصب وزير الثقافة مرتين، المرحلة الاولى عندما كنت وزير إعلام وثقافة والمرحلة الثانية عدت بعد سنوات لاكون وزير ثقافة وفنون وتراث رغم انه من الافضل بان يكون اسمها وزارة الثقافة فقط لأن الفنون والتراث جزء من الثقافة
ولو تحدثنا عن المرحلة الاولى أكاد اقول انه تغلب عليها الجانب السياسي الى جانب الإعلام وكنا في مرحلة مهمة من تاريخ قطر، عملنا على ابراز طموح قطر وعلاقاتها مع العالم ومواقف قطر الخاصة بها في قضايا كثيرة محلياً وعربياً ودولياً، فكان الإعلام يلعب دوراً كبيراً جداً ولذلك لم يكن التركيز على الثقافة كما ينبغي .
ولذلك تجدني بإستمرار اقول أن وزارة الثقافة يجب ان لا تُربط مع اي جانب آخر كالإعلام مثلاً لأن الثقافة ستكون هي الضحية، والثقافة “قارورة” وكما نقول رفقاً بالقوارير ايضاً رفقاً بالثقافة، يجب ان تكون وزارة متخصصة وتعتني بالثقافة فقط، لذلك وضعنا الراهن الآن بوجود وزارة للثقافة وعلى رأسها وزير الثقافة هو الوضع الصحيح، لانه عندما كنت وزير إعلام وثقافة لم تأخذ الثقافة حقها كما اخذته عندما اصبحت وزيراً للثقافة في المرحلة الثانية .
المرحلة الثانية الأهم
- ماهي الفترة الاهم من وجهة نظرك، عندما كنت وزيراً للإعلام والثقافة أم المرحلة الثانية عندما اصبحت وزيراً للثقافة؟
– المرحلة الاولى عندما كنت وزيراً للإعلام والثقافة مهمة جداً بجوانبها السياسية ويطول الحديث فيها وربما ان الوقت غير مناسب للحديث عن الجوانب السياسية، اما المرحلة الثانية فهي مهمة جداً وثرية جداً لانها كان فيها تركيز على الثقافة .
واذكر ان صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني اطال الله عمره امير البلاد آنذاك قد أختارني للتركيز على الثقافة وكنت بالفعل أجد من سموه الدعم الدائم والشخصي والاهتمام بكل جانب من جوانب عملي في الثقافة وكانت تلك الفترة سنوات ثقافية مهمة في تاريخ قطر ولله الحمد رغم انه لم يكن لدينا البنية التحتية الموجودة حالياً ولم يكن لدينا جو المعرفة السائد حالياً في قطر من وجود الجامعات والمدينة التعليمية ومعهد الدوحة للدراسات والمتاحف والحي الثقافي كتارا ومع ذلك كانت سنوات في منتهى الثراء. - وانا اعتقد واعني ما اقول انها كانت نقطة تحول نحو اهتمام قطر بالثقافة، انا جئت في أواخر 2008 ولكن في بداية 2010 كانت عليّ مهمة كبيرة جدا يجب ان أؤديها وهي ان تكون الدوحة عاصمة للثقافة العربية، فتخيل نفسك في هذا الوضع آنذاك، وزير جديد والدوحة ليس لديها البنية التحتية التي تكون بمستوى طموح القيادة وطموحي انا بشكل شخصي ، ولكن التحدي يجعلك تبدع بغض النظر عن الامكانيات على المستوى الفردي او على مستوى الدولة ، وايضاً الدعم الذي تجده من القيادة يعطيك الفرصة لكي تبدع .
واتذكر انه قبل انطلاق الدوحة 2010 في بداية يناير كان هناك برنامج من انتاج تلفزيون قطر في المتحف الاسلامي وكان موضوع هذا البرنامج عن الدوحة عاصمة للثقافة العربية ، ودار الحديث والحوار مع المذيع من جوانب مختلفة وفي الاخير تم طرح سؤال : هل الدوحة جاهزة لأن تكون عاصمة للثقافة العربية وهل ستنجح وهل اقتنعتم مما قاله الوزير بأن الدوحة فعلاً جاهزة وكانت الاجابة بنسبة ٧٥ بالمائة ان الدوحة غير جاهزة .
لكن المحاور سألني هل الدوحة ستنجح ؟ فقلت له ستنجح وقال هل تتحمل المسؤولية رغم هذه النسبة العالية من التصويت فقلت له نعم اتحمل المسؤولية وهذا المؤتمر مشهور ومعروف وحضر فيه معظم المعنيين بالثقافة والاعلام آنذاك.
عاصمة الثقافة العربية
- وما الذي حدث بعد ذلك سعادة الوزير؟
– بعد ذلك تم تشكيل لجنة عليا للتحضير للدوحة عاصمة الثقافة العربية وطرحت على معالي الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني رئيس مجلس الوزارء آنذاك ان يكون على رأس هذه اللجنة العليا ولكن معاليه أصر ان تكون برئاستي واراد “ثقة منه” ان يحملني المسؤولية وتم اعداد الخطة ، وصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني عندما يدعم فإنه يدعم الى النهاية وفي كل الجوانب ومن خلال متابعة دقيقة لكل تفاصيل الموضوع وهذه نقطة مهمة يجب ان تُسجل لسموه .
واتذكر انني عندما عرضت لسموه الخطة سُر جداً بها ووافق عليها وكان يتابعها اولاً بأول ويحقق لها وسائل الدعم المعنوي والمادي، وفي نهاية المطاف اذا كان هناك نجاح كبير فالفضل بعد الله يعود لصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
وعندما نجحت الدوحة كعاصمة للثقافة العربية في 2010 قال لي صاحب السمو الامير الوالد: أنا متأكد ان الدوحة ستنجح كعاصمة للثقافة العربية ولكنني اريد الدوحة عاصمة دائمة للثقافة، وهذا ما يتحقق الآن، فعندما نشاهد المؤسسات الثقافية الموجودة اليوم كالحي الثقافي كتارا وما يقوم به من نشاطات وحيوية ليس على مستوى قطر فقط بل على مستوى العالم وايضاً هيئة المتاحف وايضاً المؤسسات التعليمية الكبرى وعلى رأسهم مؤسسة قطر فاونديشن والجامعات الكبرى ايضاً على رأسهم جامعة قطر ومعهد الدوحة ، واليوم قد تحقق بالفعل شعار سمو الأمير الوالد ان الدوحة عاصمة دائمة للثقافة.
بيت الحكمة
وهناك بُعد آخر وهو ان العمل الافتتاحي كان موضوعه “بيت الحكمة” وما ادراك ما بيت الحكمة ، والحقيقة اننا سلطنا الضوء على هذا العمل الفني الكبير واذكر ان من بين الحضور كان الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لاهتمامه الكبير في الثقافة وكان يتابع من خلالي اولاً بأول كل تفاصيل “الدوحة عاصمة للثقافة” .
وايضاً كان من بين الحضور الرئيس بشار الاسد وحرمه، والشيء المهم اني كنت ارمز بعد موافقة صاحب السمو الامير الوالد على ان تكون الدوحة بيت الحكمة وان يكون دور بيت الحكمة الانفتاح على ثقافات العالم وايضاً دور الترجمة والعلم، وعلى فكرة ان جائزة الشيخ حمد للترجمة في كتارا هي ثمرة من مخرجات بيت الحكمة .
وكان في بداية الدوحة عاصمة للثقافة في 2010 بدأنا ببيت الحكمة ونقول ان بيت الحكمة هذا سيتحقق في قطر وكان بالفعل هذا البُعد الذي تكلمت فيه مع صاحب السمو الامير الوالد عندما عرضت عليه العمل الاول عن بيت الحكمة وهذا هو ما قد تحقق في الدوحة الآن .
وايضاً حرصنا على ان تكون كل ثقافات العالم ممثله لكي نعكس بيت الحكمة ولكي نعكس العلاقة التي تربط الثقافة العربية بالثقافات الاخرى والتفاعل بين الثقافات في العالم فكانت آسيا ممثلة بالهند وكانت اوروبا ممثلة في فرنسا وكانت امريكا اللاتينية ممثله بالبرازيل والارجنتين وكان هناك اكثر من اسبوع لكل قارة من القارات، فلم تكن الدوحة فقط عاصمة للثقافة العربية فقط انما عاصمة للثقافة العربية مع تواجد كل ثقافات العالم، لذلك انا اعتبر ان 2010 كان نقطة تحول للثقافة ومستقبلها في قطر .
عاصمتان مهمتان
- ما أبرز المعطيات التي تحققت في عملكم الدبلوماسي كسفير لبلادنا الحبيبة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه الخصوص؟
– اولاً لا اعرف لماذا اخترت هذين البلدين بالذات ولكن نعم هاتان عاصمتان مهمتان ومن حقك ان تركز عليهما، وبخصوص فرنسا فإنها دولة مهمة ومن احدى الدول الكبرى، وفرنسا لم يكن لها وجود في الخليج كما بريطانيا .
فالثقافة السائدة بعد الثقافة العربية هي اللغة الانكليزية، وبريطانيا كانت أمّا محتلة او صاحبة النفوذ الاول في المنطقة، فالتصور العام هو ان تكون العلاقات مع بريطانيا اهم من العلاقات مع فرنسا، والذي حصل انه في هذه الفترة بالذات ادرك العالم ان العلاقات الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع فرنسا قوية جدا وتتطور بشكل سريع جدا .
الناس كانت تستغرب وتتساءل لماذا علاقاتنا كانت افضل مع فرنسا وبالذات ان قطر كانت تحت الوصاية البريطانية وبالتالي بريطانيا تعرف المنطقة اكثر .
في تقديري الشخصي ان هناك عاملين، العامل الاول انه عندما تم التفكير باستخراج الغاز في قطر تم الاتصال بالشركات والدول لتساهم بهذا المشروع الكبير وكان من ضمن الشركات الموجودة هي الشركة البريطانية bp بريتيش بتروليوم ولم تكن فرنسا موجودة ولكن يبدو آنذاك ان الغاز ليس مجدياً وكان فيه مغامرة كبيرة جداً ويبدو ان هذه القناعة كانت موجودة لدى الانكليز فانسحبت شركة bp فكان البديل لها شركة توتال الفرنسية وهذا خلق جواً يشجع على تطوير العلاقات بين قطر وفرنسا .
امّا العامل الثاني كان يوجد مستشار اسمه حسن كامل في عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رحمه الله، هذا المستشار ثقافته فرنسية وهوائه فرنسي فسعى الى ان تكون العلاقات مميزة مع فرنسا وانا بالطبع كسفير استفدت من كل هذه الجوانب وبدأت العلاقات الثقافية وقطر عضو مساعد في منظمة الدول الفرانكفونية، وانا ما زلت حتى اليوم امثل قطر وربما ثقافتي الفرنسية هي عامل مساعد لاختياري بالقيام لهذه المهمة.
من باريس الى نيويورك
- هذا فيما يتعلق في فرنسا وماذا عن الولايات المتحدة الاميركية؟
– الولايات المتحدة الامريكية لها قصة أخرى، فعندما انتقلت من باريس الى نيويورك برغبة مني لانني بعد ست سنوات شعرت انه لا بد ان اسعى الى ان انتقل الى مكان آخر وكانت نيويورك وعملت في نيوريوك وسفيرنا في الولايات المتحدة الاميركية كان هو سعادة الاخ احمد المحمود، تم تعيينه وكيلاً لوزارة الخارجية فأبديت رغبتي ان اذهب سفيراً الى واشنطن وعندما عرضت على صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني فقال لي سموه ماذا ستفعل هناك فعلاقتنا الاقتصادية والعسكرية والسياسية الى حدا ما شبه مقطوعة مع الولايات المتحدة وسفيرنا هناك دوره مجرد تمثيل سياسي بحت.
واضاف سموه وقال: أنا اريدك يا حمد ان تكون في مكان تستطيع ان تحقق فيه شيئاً، فقلت لسموه: مهما كان تبقى واشنطن عاصمة مهمة جداً وانا موافق ان اذهب في مثل هذه الظروف الصعبة وبإذن الله سأعمل ما استطيع به .
فقال سموه بما انك مُصّر اذاً توكل على الله، طبعاً هذا الكلام كان في الصيف وكان سعادة الاخ عبدالله بن خليفة العطية قد تم تعيينه حديثاً وزيراً للخارجية، فقال لي صاحب السمو ان اذهب واشنطن في نهاية دورة الجمعية العامة لانه لدينا وزير خارجية جديد ولازم تحضر معه الجمعية العامة وفي بداية يناير تستطيع الذهاب الى واشنطن .
وهذا ما حدث ارسلت اسرتي واطفالي الى واشنطن والتحقوا بالمدارس هناك وفي بداية يناير توجهت من نيويورك الى واشنطن وبالفعل لم تكن العلاقات على ما يرام وكان السفير يستطيع ان يلتقي بأكثر من درجة المسؤول عن مكتب قطر في الخارجية.
ثم جاء تطور كبير جدا وهو الغزو العراقي للكويت، وبعد ان ابدت المملكة العربية السعودية رغبتها بارسال قوات امريكية لحماية المنطقة، ورغبت الولايات المتحدة الاميركية ان يزور قطر السيد ديك تشيني وزير الدفاع الامريكي، واتذكر ان قطر اتخذت موقفاً انه لا يمكن ان يزورنا ونحن بهذا الوضع فوعدنا الامريكان انه لن ينتهي العام الا وقد عادت العلاقات كما كانت.
وبناء على هذا الوعد جاء وزير الدفاع الامريكي الى قطر لاول مره والتقى بسمو الامير وسمو ولي العهد وبدأت مرحلة جديدة وتفتحت الابواب لي كسفير في واشنطن واصبحت التقي بمن اريد، بل ايضاً هم من يتصلوا بي ليلتقوا بي وبدأت العلاقات تُدرس في كل جوانبها الاقتصادية الثقافية العسكرية .
وفي نهاية العام رفع الحصار عن قطر واصبحت قطر تستطيع ان تتصرف بحرية وتطورت العلاقات وكانت العلاقات العسكرية مميزة بما فيها القاعدة العسكرية في قطر وايضاً تطورت العلاقات الاقتصادية الى مدى بعيد جداً والعلاقات الثقافية ايضاً، وهذه كانت مرحلة مهمة جداً فعندما ذهبت كانت العلاقات شبه مقطوعة وعندما عدت كانت العلاقات بابهى ما تكون . - بالتأكيد لديك حكايات خاصة أثناء تواجدك هناك، حدثني عن احداهما؟
– أنا دائماً احب الحكايات الصغيرة التي تضفي الكثير من التشويق وكسر الروتين وتعطي نكهة للحديث.
اتذكر اني كنت انا واطفالي نذهب من نيويورك الى مدينة كيبك في كندا، للتزلج على الجليد فكان يوم زواجنا يصادف تاريخ 25 اغسطس وكنا نذهب في الشتاء وفي “كيبك” يوجد بحيرة كبيرة جداً تتحول في الشتاء الى جليد والناس يمشون عليها وحتى السيارات وفي الصيف تعود الى البحيرة، ولم يسبق ان رأيتها بالصيف فقررت آنذاك في عام 1993 ان نذهب الى “كيبك” انا وزوجتي لنحتفل بذكرى زواجنا وايضاً نرى الجزيرة التي لم نراها.
وقبلها بثلاثة ايام تلقيت اتصالاً من مكتب صاحب السمو امير البلاد آنذاك الشيخ حمد بن خليفة للعودة الى قطر وعدت طبعاً ولم ارى كيبك الى اليوم وتم تعييني وزيراً للاعلام والثقافة.
مكانة قطر وثقلها
- كيف لمس سعادتكم مكانة قطر وثقلها في محافل مهمة كاليونسكو والأمم المتحدة وغيرهما؟
– الحمدلله قطر دولة لها مكانتها في العالم ولها احترامها وتقديرها، واتذكر ايام الحرب الايرانية العراقية كنت حينها سفيراً في نيويورك، وكان لقطر موقف معروف جداً وهو قائم على العمل بكل الوسائل لايقاف هذه الحرب المدمره للعراق وايران.
وهذا الموقف كان يجد صدى طيباً من الطرفين وعند العالم ككل وايضاً قطر كانت على علاقة طيبة مع اليونسكو، لان منظمة اليونسكو ساهمت في بناء جامعة قطر وهناك برامج مشتركة بين الدولة واليونسكو.
وبالطبع كانت قطر لها مكانتها ولكن لا تقارن بين مكانة قطر في الوضع الراهن لان قطر الآن تعد نجماً من النجوم العالمية وطبعاً الدول لا تُقاس بحجمها الجغرافي وإنما بدورها وما تقوم به قطر حالياً بقيادة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد حفظه الله ورعاه من دور بنّاء في الاستقرار والسلام وتسوية النزاعات في العالم وايضاً تقديم الدعم لمن يحتاجه . - ما قصة ترشيح سعادتكم لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة قبل ست سنوات؟
– طبعاً هذه قصة طويله ذات ابعاد كثيرة واعتقد انه من الظلم لهذه القصة ان تكون مجرد سؤال في مقابلة طويلة. - كيف تم اختيارك لتكون مرشح لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة؟
– في عام 2012 انعقد لدينا مؤتمر الاونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) واتذكر انه بتعليمات من صاحب السمو الامير آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وايضاً رئيس مجلس الوزراء معالي الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني تم اختياري لأن اتولى شؤون هذا المؤتمر باعداده وبرئاسته عندما ينعقد في مركز قطر الوطني للمؤتمرات الذي يعتبر أحد أكبر وجهات استضافة المؤتمرات في الشرق الأوسط .
وكان مؤتمر الاونكتاد يعد اكبر مؤتمر تشهده قطر حيث حضره اكثر من 19 ألف و35 رئيس دولة ورئيس وزراء، وحقق المؤتمر نجاحاً كبيراً جداً وتم انتخابي في هذا المؤتمر رئيساً للاونكتاد لمدة اربع سنوات.
علاقات دولية متشعبة
ان هذا الامر سلط الضوء على علاقاتي الدولية، اتذكر ايضاً يوم ذهب ترشيحي من وزارة الخارجية الى الاونكتاد، بأن حمد الكواري وزير الثقافة سيكون رئيس المؤتمر كان هذا الامر مثار دهشة واستغراب، اذ كيف يمكن لوزير الثقافة ان يرأس مؤتمراً لوزراء التجارة والاقتصاد ويجب ان يرأسه شخص لديه علاقة في الموضوع كوزير تجارة.
وعندما ارسلنا لهم بالاخير سيرتي الذاتية أدركوا انني ابن الامم المتحدة وبالتالي فالبعُد في رئاسته لن تكون على الجانب الفني منه وانما على الجانب القانوني المتعلق بكونه مؤتمر من مؤتمرات الامم المتحدة.
وبعد هذا النجاح اتذكر اننا كنا في كأس سمو الامير لكرة القدم في استاد خليفة، نحضر مع سمو الامير الوالد هذه المباراة وفي الاستراحة اخذني سمو الامير الوالد في قاعة وقال لي يا حمد الا ترى بأننا نرشحك اميناً عاماً او مديراً لأحدى المنظمات الدولية فقلت له يا طويل العمر هذا الموضوع في ذهني من زمان واذا كان هناك منظمة سأكون مناسباً لها بحكم ثقافتي وخبرتي فهي اليونسكو، فقال سموه اذاً يتم ترشيحك هذا العام.
وكان متبقي على الترشيح ستة اشهر فقلت لسموه: اذا تسمح لي فلنجعلها الدورة القادمة بعد اربع سنوات اي سنة 2016 حتى اكون على استعداد فأنا لا اريد ان احصل على اربع او خمس اصوات فقط فيجب ان يكون الاستعداد على افضل وجه ..
فقال سموه : اذاً توكل على الله ثم ترك صاحب السمو الحكم وجاء صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد حفظه الله وانا لم اتحدث بالموضوع والتزمت الصمت حيال هذا الموضوع.
واذا بي اتلقى اتصالاً في احد الايام من سعادة الشيخة المياسة بنت حمد فقالت لي هل نسيت الكلام الذي دار بينك وبين والدي بأنك ستترشح لليونسكو، فسمو الامير الشيخ تميم بن حمد يسأل هل ما زالت الرغبة موجودة؟
فقلت لسعادتها نعم وقالت اذاً سمو الامير يقول لك استعد، والحمدلله استعدادنا لم يذهب ادراج الرياح وكدنا ان نحقق هذا الانتصار لولا ظروف اذا تريد ان تدركها فعليك ان تقرأ كتابي “وظلم ذوي القربي”!
وشاح حمد بن خليفة
- تم منحك وشاح حمد بن خليفة من قِبل سمو الأمير المفدى ..ماذا يعني لك هذا الوسام؟
– بعد ان عدت من رحلة الترشيح لمنصب المدير العام لليونسكو كنت شخصياً لا اعتبر انني خسرت واعتقد ان قطر كلها ادركت انني لم اخسر في هذه المهمة وانني اديت دوري على افضل وجه وكدت ان انجح لولا الظروف التي يعرفها الجميع.
طبعاً كان اول لقاء لي مع صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله فسمعت منه اجمل الكلام وانه كان سعيداً جداً بالنتيجة وقال لي سموه: نحن لا نعتبرك خسرت بل حققت الانتصار المطلوب..
وكان هذا بلسم الجراح بالنسبة لي وبعد ان تكرم عليّ سموه بمنحي درجة نائب رئيس مجلس الوزراء فقال لي سموه: انه يوجد وشاح جديد وهو سيكون اهم وشاح في دولة قطر وهو وشاح حمد بن خليفة .
واضاف سموه انه تأخر علي ثلاثة ايام لأن الوشاح لم يكن وصل الى الآن وعندما تم ابلاغي بوصول الوشاح طلبت لقائك وقررت ان اقلدك اول وسام من وشاح حمد بن خليفة، وطبعاً انا سررت لأمرين، اولاً تقدير صاحب السمو وثانياً لأن هذا الوشاح يحمل إسم حمد بن خليفة رائد نهضة قطر الحديثة . - الكثير من كتبك قمت بترجمتها الى عدة لغات كالانكليزية والفرنسية والالمانية وغيرها من لغات، لماذا لم يحظى بالترجمة كتاب “وظلم ذوي القربى”؟
- لأن هذا الكتاب يتحدث عن ظلم الاقارب وانا لا ارغب ان يقرأ الغريب ما حصل بين الأشقاء في محفل عالمي كبير كاليونسكو.
تكريم وليس وظيفة
- وجودكم رئيساً لمكتبة قطر الوطنية هل يحمل بشائر النجاح لهذا المرفق المهم؟
– أنا اعتبر ان اختياري لهذا الموقع ولهذه المهمة هو تكريم وليس وظيفة وهي مسؤولية تجاه هذا البلد لكي تقوم هذه المؤسسة الكبيرة مكتبة قطر الوطنية بدورها المنوط بها.
مكتبة قطر الوطنية هي ليست مكتبة عادية ويجب الا يكون نشاطها عادي بمقياس اي مشروع آخر والجهود التي بذلت لتكون المكتبة بما هي عليه جهود كبيرة من قِبل صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظها الله، وانا اعرف هذه الجهود عن قرب لانني كنت باستمرار منذ ان تشكل مجلس امناء لهذه المكتبة وانا عضو فيه كما اني كنت منذ البداية رئيس اللجنة التنفيذية التي اشرفت على تنفيذ هذا المشروع من الألف الى الياء .
لذلك انا ابن هذه المكتبة من البداية واعرف الطموح الذي بسببه كانت هذه المكتبه لذلك انا اقول باستمرار واعني ما اقول ان مكتبة قطر الوطنية ولدت كبيرة في تصميمها وفي محتوياتها ولؤلؤة هذه المكتبة هي المكتبة التراثية والمكتبة الرقمية، وفعلاً حداثة المكتبة بكونها مكتبة رقمية وبجهازها الفني المميز جعلها تقوم بدورها من اول يوم .
ان مهمتي في المكتبة ليست ادارية، وانما تحقيق رسالة هذه المكتبة التي عليها دور معرفي وتنويري ودور في العلاقات مع مكتبات العالم وتطوير المكتبة من خلال هذه العلاقات ومع المؤسسات الثقافية في الداخل والخارج وعليها ايضاً دور في الدبلوماسية الثقافية لدولة قطر التي يجب ان تكون مساندة للدبلوماسية الناجحة السياسية التي تحققها بلدنا في كل المجالات .
لذلك مكتبة قطر رغم حداثتها تمثل مكتبات العالم الان في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وهي ايضاً تلعب دوراً كبيراً جداً في برنامج يسمى حماية لحماية التراث في العالم من التزوير ومن السرقات ومن النهب وايضاً تقوم المكتبة بدورات ليس فقط في داخل قطر وانما في المكتبات العربية ومكتبات العالم، وايضاً الآن بدأنا اول حلقة من الصالون الثقافي لمكتبة قطر الوطنية بالتعاون مع جامعة حمد بن خليفة وكان ناجحاً جداً في حلقته الاولى ولكن النجاح الذي نسعى له يتخطى النجاح الذي حققه في حلقته الاولى.
وبإذن الله بعد الصيف سيكون هذا الصالون منتظماً وايضاً سيضاف له الرواق، والصالون الثقافي سيكون للعموم اما الرواق فهو للمتخصصين، فدور مكتبة قطر دور كبير ولا سقف له ونتمنى من الله التوفيق .
مسافر زاده الجمال
- مسافر زاده الجمال، لماذا لم يكن زاده الخيال كما تقول القصيدة ..
- انا اصدقك القول بأنني استوحيت هذا العنوان من هذا البيت، ودائماً اختيار العنوان للكتاب ليس امراً سهلاً، والحمدلله انا موفق في اختيار عناوين كتبي وعلى سبيل المثال “على قدر اهل العزم” و”وظلم ذوي القربى” و”جسور لا اسوار” و”مسافر زاده الجمال”…
والآن وقريباً ان شاء الله سيصدر كتاب “بعض مني”، فأنت مجرد عندما تسمع “بعض مني” يستفزك هذا العنوان، والاستفزاز دائماً عامل اساسي نحو مزيد من المعرفة .
وفيما يخص كتاب “مسافر زاده الجمال” له قصة، انا كنت في فترة من الفترات عندي صور قديمة عن حياتي، عن شخصيات قابلتها وعن مدن زرتها وعن احداث عشتها وكنت من خلال الانستقرام والفيس بوك اكتب القصة وانشرها وكان لها صدى كبيراً جداً، فطالبني كثيرا من الناس بأن تنشر هذه القصص القصيرة وهذه الشذرات بالاضافة الى الصور ان يتم نشرها في كتاب .
وفعلاً كان هذا اول كتاب عن الانستغرام والحمدلله وجد صدى كبير جدا وهو كتاب لا يُباع في السوق فقط يُهدى واهديت منه عدد كبير من النسخ وهذا هو الجزء الاول وبإذن الله سيكون هناك جزء ثاني ويعتبر جزء كبير من سيرة حياتي من علاقاتي بالافراد وبالمدن وتقييم لبعض جوانب حياتي ومسيرتي الشخصية والثقافية والمهنية.