الهديل

لهذا السبب – ترك زوجته وحياته وعاش في الكهوف وحيداً 3 سنوات

عند قراءة سيرة عالم الاجتماع “ماوريتسيو مونتالبيني” ومعرفتك أنه اختار وبإرادته، قرر خوض تجربة العزلة بنفسه، والعيش وحيداً داخل كهف تحت الأرض، ما يقرب من 3 سنوات، ستظن أنه شخص غير اجتماعي وربما لا يفضل قضاء الوقت مع البشر.

 

خاصة أنه على الرغم من التأثيرات التي حدثت له، قرر قضاء 3 سنوات أخرى عندما كان يبلغ من العمر 53 عاماً.

 

ولكن لا تتسرع بالحكم، فما قام به كان من أجل خدمة البشرية، ومعرفة التأثيرات النفسية والجسدية على شخص يخوض تجربة العزلة لفترة طويلة، ونتائج مهمة من أجل السفر إلى الفضاء.

 

تجربة العزلة والعيش وحيداً على دماغ الإنسان

بدأ “ماوريتسيو مونتالبيني” حياته المهنية في الثمانينات في إدارة عيادة علاج إدمان المخدرات، لكنه لاحقاً أصبح شغوفاً في دراسة آثار العزلة والعيش وحيداً على إيقاعات الساعة البيولوجية للإنسان والجهاز المناعي والتأثيرات النفسية على الإنسان الذي يمر بتجربة مماثلة.

قرر مونتالبيني قضاء فترات تدريب تتراوح من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع وحيداً في تلك المؤسسة. حتى قرر عام 1986، خوض أول تجربة له للعيش داخل كهف تحت الأرض لمدة عام كامل داخل جبل من سلسلة جبال الأبينيني في إيطاليا.

خلال تلك الفترة كان مونتالبيني يعيش على الحبوب وأطعمة خاصة يتناولها رواد الفضاء، بينما كان فريق من الباحثين من بعض الجامعات ووكالة ناسا خارج الكهف يراقبون علاماته الحيوية. كما تضمنت وجباته الغذائية بعض الرفاهية مثل الشوكولاتة والعسل والكثير من السجائر، فكان يستهلك ما يقرب من علبتي سجائر يومياً.

 

في تلك التجرية درس الفريق القائم على التجربة، آثار العزلة على دماغ الإنسان. ونظراً لكونه من خلفية علمية، كان لإدراكه الشديد للأنماط التي يمر بها جسمه أثناء العيش وحيداً دون تواصل مع البشر الآخرين، وملاحظاته التي دونها، دور كبير في ترسيخ فكرة إيقاع الساعة البيولوجية للإنسان.

قال فرانز هالبرغ، الزميل والأستاذ الذي يعتبر مؤسس مجال “علم الأحياء الزمني”: “أظهر مونتالبيني أنه في أعماق الكهف لا تزال آثار الكون” مثل التأثيرات الكهرومغناطيسية من الفضاء.

 

ويعود الفضل إلى السيد هالبرغ، في صياغة مصطلح “إيقاعات الساعة البيولوجية” لوصف الساعة البيولوجية، ويقول إن بيانات السيد مونتالبيني ساعدت في تأكيد الدورات البيولوجية لجسم الإنسان.

في نهاية التجربة وبعد قضائه ما يقرب من عام كامل، خرج “ماوريتسيو مونتالبيني” من عزلته، وقد حطم الرقم القياسي العالمي لأطول فترة بقي فيها شخص في العزلة التامة.

 

العودة لباطن الأرض وفقدان الإحساس بالزمن

عام 1992، قرر “ماوريتسيو مونتالبيني” خوض تجربة العيش وحيداً داخل كهف مرة ثانية، وهذه المرة حطم رقمه القياسي السابق من خلال العيش لمدة عام ويوم واحد، في قاعدة تحت الأرض بنيت لمحاكاة ودراسة ردود أفعال الأفراد والطواقم في مهام فضائية طويلة.

 

أثناء وجوده تحت الأرض وبعيداً عن ضوء الشمس، فقد مونتالبيني من وزنه ما يقرب من 15 كيلوغراماً.

 

وهذه المرة فقد إحساسه بالوقت، قال عندما خرج: “لا يمكن للمرء أن يحارب العزلة، يجب أن يكون صديقاً لها”. وكان يعتقد أنه قضى 79 يوماً فقط.

 

وأصيب باضطرابات النوم، فكان يبقى مستيقظاً لـ50 ساعة في كل مرة، ثم ينام خمس ساعات فقط. وكان يقضي وقته بقراءة الكتب.

لم تكن تجربة العزلة كلها ممتعة، أثناء تواجده تحت الأرض اهتزت الجبال التي يقع فيها كهفه بعد أن ضرب زلزال كبير المنطقة، واعترف مونتالبيني للصحفيين الذين استقبلوه عند خروجه بأنه “لأول مرة شعرت بالخوف”.

 

وعند سؤاله عما إذا كان يفضل العيش في الكهوف، قال مونتالبيني: “هل تحاول أن تكون مضحكاً؟ لن أعود هناك. أحتاج إلى الشمس. كنت أحلم بالفجر. إنها تجربة لن أكررها”، لكن يبدو أنه لم يعنِ ذلك حقاً لأنه قرر العودة مرة أخرى.

عام 2006 قرر مونتالبيني قضاء وقته مرة أخرى كهف منعزل، ولكن كانت إقامته هذه المرة أكثر راحة، قام فريق الدعم الخاص به بإنشاء “منزل” تحت الأرض مساحته 10 أمتار مربعة، مزوداً بمياه الشرب الجارية وإمدادات الكهرباء لتشغيل مجموعة من الأجهزة الطبية التي ستراقب حالته البدنية وتنقل البيانات إلى الفريق على السطح.

 

عندما تجاوز “ماوريتسيو مونتالبيني” سن الخمسين عاماً، كان يخطط لقضاء فترة 3 سنوات متصلة وتحطيم أرقامه القياسية السابقة، لكن الموت كان أقرب له من تحقيق هدفه وتوفي عام 2009 إثر نوبة قلبية قبل أن ينفذ التجربة، ولا يبدو أن وفاته مرتبطة بتجاربه السابقة في العيش وحيداً.

 

إرث “ماوريتسيو مونتالبيني” وتجاربه الأخرى

لم تكن تلك التجارب هي فقط ما قام به مونتالبيني، في عام 1990، قام بتجربة غريبة باعتباره أحد الناجين من حطام سفينة في البحر. وأمضى 48 يوماً على غير هدى في طوف إنقاذ، لاختبار تقنيات البقاء على قيد الحياة ومعدات رسم الخرائط عبر الأقمار الصناعية.

 

وفي عام 1988، قاد فريقاً دولياً مكوناً من 14 شخصاً، من بينهم ثلاث نساء، ليحقق الرقم القياسي العالمي لأطول وقت تقضيه مجموعة تحت الأرض لمدة 48 يوماً.

أسفرت تجارب مونتالبيني، التي أُجريت بالتعاون مع وكالة ناسا والجامعات في جميع أنحاء العالم عن رؤى ثاقبة لتأثيرات العزلة على الإنسان، بما في ذلك فقدان الوزن والتغيرات في إدراك الوقت ودورات النوم والساعة البيولوجية.

 

وبالنسبة لـ”ماوريتسيو مونتالبيني”، كانت التجارب تحدياً شخصياً لقوة الإرادة والتحمل. حيث أدت التجارب المماثلة في أماكن أخرى إلى مضاعفات نفسية، وفي إحدى الحالات المتطرفة، إلى الانتحار.

 

Exit mobile version