الهديل

خاص الهديل: باريس تخرج من “لعبة الاسماء ” الرئاسية .. وتكتشف الفرق بين رهان شيراك الناجح على الحريري ورهان ماكرون الفاشل على ميقاتي!!.

خاص الهديل 

باريس تخرج من “لعبة الاسماء” الرئاسية .. وتكتشف الفرق بين رهان شيراك الناجح على الحريري ورهان ماكرون الفاشل على ميقاتي!!.  

 

تم تسليم كل أوراق لعبة الانتخابات الرئاسية في لبنان الى العامل الخارجي.. وهذا الأمر لا يؤشر فقط إلى أن عدم وجود مطبخ سياسي داخلي في لبنان يعتد به، رغم الحديث المتكرر عن قدرة حزب الله على تسيير اللعبة الداخلية السياسية؛ بل يؤشر أيضاً – وهذا هو الاهم – على أن لبنان بكل استحقاقاته الصغيرة والكبيرة موجود على قارعة الوضع الدولي والاقليمي!!.

ويمكن في هذا المجال ملاحظة ان كل كلام لبناني داخلي يقال في نهار الحياة السياسية اللبنانية، يمحيه كلام خارجي يقال في فضاء السياسة الخارجية والدولية.. والأدلة هنا كثيرة، وآخرها ما قاله سليمان فرنجية من منبر بكركي حيث أوحى انه مرشح متقدم بموافقة باريس على اسمه وعدم ممانعة الرياض على شخصه، وهو كلام نفى مضمونه بعد ٤٨ ساعة بيان الخارجية الفرنسية الذي قال ان باريس ليس لديها اسماء مفضلة لرئاسة الجمهورية.. وقبل ذلك كانت كل من ادارة ترامب، وبعدها إدارة بايدن الحالية، تداومان على فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين، وذلك في كل مرة يظن فيها اللاعبون اللبنانيون السياسيون المحليون أن الأمور ذاهبة “لحلحلة” وفق مقاسات مصالحهم؛ ما يؤشر إلى أن الكلام الداخلي في مكان، بينما الأفعال الدولية وتوجهاتها وحساباتها، في مكان آخر. 

والواقع ان أكبر مشكلة وقع فيها الدور اللبناني لماكرون، هو أنه مارس أداء سياسيا تجاه الأزمة اللبنانية، أعطى عنه انطباعاً بأنه تحول إلى “لاعب محلي” فوق الساحة اللبنانية، بأكثر مما هو لاعب عالمي وفرنسي. وظن ماكرون أنه بممارسة سياسة تقوم على مواكبة شخصية من قبله للتفاصيل اللبنانية، فإنه بذلك سيضمن له حضوراً أكبر داخل الحياة السياسية اللبنانية، ولكن الذي حدث جراء هذه السياسة الماكرونية هو أنها حولت الاليزية إلى جناح من قصور بعبدا وعين التينة والسرايا الكبير، ما أفقد ماكرون الهيبة الدولية التي يحتاجها بالتعامل مع السياسيين اللبنانيين الذين بالعادة يحسبون ألف حساب للخارج، وتلقى ماكرون من الخارجية الفرنسية نصائح بأن عليه أن يترك مسافة في علاقته مع المسؤولين اللبنانيين حتى تظل هيبة الإليزيه موجودة عليهم.. غير ان هذه النصيحة وصلت في وقت متأخر لماكرون المستعجل على تحقيق إنجاز لبناني لساساته الانتخابية آنذاك، وبالنتيجة تحول ماكرون إلى واحد من اللاعبين المحليين؛ بمعنى أن الحدث الداخلي اللبناني استهلك مبادراته ما قاده إلى الدخول في متاهة السجال السياسي اللبناني العقيم الذي يدور دائماً حول من يتحميل مسؤولية الفشل، بدل أن يدور حول من يمكنه تحمل مسؤولية النجاح في إنقاذ البلد.. 

ولاشك أن بيان الخارجية الفرنسية أمس بخصوص أنه ليس لدي باريس اسماء تفضلها لرئاسة الجمهورية اللبنانية، إنما هدفه إظهار أن ماكرون بدأ يعمل على تصحيح صورة دوره في لبنان، وذلك انطلاقاً من عدم الظهور بمظهر أنه تحول بخصوص دوره في الأزمة اللبنانية إلى ما يشبه “اللاعب اللبناني المحلي على الساحة الدولية والإقليمية”، بدل كونه لاعب دولي فاعل على الساحة اللبنانية وفضائها الاقليمي..

..بمعنى آخر، فإن ماكرون ولو بمفعول متأخر، عمل أخيراً بنصيحة الخارجية الفرنسية لجهة ان عليه ان يبتعد عن ممارسة “دور رئاسي فرنسي في التفاصيل اللبنانية”، وذلك حتى لا يستهلك هيبة الاليزية لبنانياً، وبدل ذلك فإن عليه ان يركز (أي ماكرون) على التعاطي مع عناوين الحل السياسي في لبنان؛ وليس على تفاصيل الأدوار التي تنتج الهدن السياسية في لبنان..

يبقى من المهم الإشارة في هذا المجال أن الدور السياسي الفرنسي الراهن في لبنان فقد الزخم الذي كان يحظى به عندما بدأ ماكرون مبادرته اللبنانية سواء بنسختها الأولى عندما صدق وعود الطبقة السياسية له في قصر الصنوبر، أو بنسختها الثانية عندما زار بيروت بعد انفجار المرفأ والتقى بالسيدة فيروز، أو بنسختها الثالثة وهي بداية طريق التراجع الانحداري السريع، عندما اعتمد على نجيب ميقاتي ليصبح رجل تمرير مصالح فرنسا في لبنان.. والواقع ان بعض السياسيين الفرنسيين يعترفون بأن مشكلة ماكرون تكمن في انه لا يعرف لبنان جيدا؛ إضافة إلى أن المحيطين به لم ينقلوا اليه الصورة اللبنانية على نحو واضح.. فماكرون مثلاً يخطئ اذا اعتبر أن اعتماده على نجيب ميقاتي يشبه اعتماد جاك شيراك على الرئيس رفيق الحريري.. ووجه الاختلاف الواضح هنا بين رهان شيراك ورهان ماكرون له ألف سبب؛ ومن هذه الأسباب ان رفيق الحريري كان محل ثقة في لبنان وفي الوسط السني العربي واللبناني، وكان محل ثقة في الاقليم وفي العالم، بينما ميقاتي اشبه بسياسي مريض بحالة نقص مناعة الثقة المحلية والخارجية به.. أضف الى ذلك ان رفيق الحريري كان رجل مصلحة لبنان الوطنية في فرنسا وفي واشنطن وفي العالم العربي، بينما ميقاتي هو رئيس حكومة تبديد الوقت والاعمال داخلياً محلياً ..

Exit mobile version